لماذا لم يعمل الصَّحابة بحديث الغدير؟

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وخاتم النبيين حبيب إله العالمين، أبي القاسم محمد، وعلى آله الأخيار الأبرار الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.

اللهم أخرجنا من ظلمات الوهم، وأكرمنا بنور الفهم، وافتح علينا أبواب رحمتك، وانشر علينا خزائن علومك.

يومٌ من أيام الله الكبرى

نبارك لكم أيها الإخوة الأعزاء مناسبة عيد الغدير الأغّر، والذي هو يومٌ من أيام الله الكبرى، حيث تمَّ فيه تنصيب عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) على ملأٍ كبيرٍ من المسلمين، وليَّاً وقائداً وإماماً لهذه الأمة بعد رسول الله (ص). وقد بالغ الرسول (ص) في إيضاح الأمر وتبيينه وتأكيده، واعتبره أمراً يتمُّ به الدين، وتكمُل فيه للإسلام مبادؤه وتعاليمه، وأنَّه بدون الولاية لا يكون الإسلام تامَّاً كاملاً، ولا تكون له أهليَّة الخلود والبقاء والامتداد.

النصّ الجليّ

قد تواترت النصوص، وبلغت حداًّ يصعبُ على كلِّ مُنصفٍ أن يتجاهلها، وبلغت من الوضوح حداًّ كان من الصعب على العلماء من أبناء العامة أن يتنصَّلوا من مفاده الذي نصّ على جعل الولاية لعلي بن أبي طالب (ع)، لذلك أخذوا يلتمسون الأعذار.

ولماذا لم يلتزم الصحابة بعد رسول الله (ص) بهذا النصّ الجليّ الواضح الذي لا يمكن التغاضي عنه؟! ولماذا تجاوزوا وصيَّة الرسول (ص)، وتنكَّروا لعليٍّ (ع) ولإمامته وولايته التي جعلها الله تعالى في أعناقهم وفي عُهدتهم؟!

كنا قد تحدَّثنا وتحدَّث الكثير عن تواتر حديث الغدير، كما وتحدَّثنا في جلساتٍ سابقة عن دلالة نصِّ الغدير، وقلنا أنَّ كلَّ المؤشِّرات، والقرائن المقاميَّة، والمقاليَّة، تؤكِّد على الفهم الذي فهمه الشيعة من حديث الغدير، وهو جعل الولاية والإمامة لعليِّ بن أبي طالب (ع).

لماذا؟!

ثمة إشكال -بعد تجاوز هذين الأمرين-، ثمة إشكال يثيره بعض الكُتَّاب حول واقعة الغدير، وهو أنَّه لو كان حديث الغدير صحيحاً، وكان مفاده جعل الولاية لعلي بن أبي طالب (ع) -كما يقول الشيعة-، فلماذا لم يعمل الصحابة بمفاد الغدير، وهم المؤمنون الصُّلحاء، الأتقياء، الذين جاهدوا من أجل الله، وذبُّوا عن رسول الله؟! لماذا أجمع كلُّ الصحابة على عدم جعل الولاية والإمامة لعليِّ بن أبي طالب بعد رسول الله (ص)؟!

هل إنَّه لم يبلغهم حديث الغدير؟! أو أنَّهم لم يفهموا ما فهمه الشيعة من معنى حديث الغدير؟! أحد الأمرين كافٍ في سقوط دعوى الشيعة.

هكذا قالوا: إما أنْ لا يكون الحديث صادراً، وإما أن لا يكون واضحاً في المعنى الذي يفهمه الشيعة.

الجواب:

إلا أنَّه في مقام الجواب عن هذه الإثارة، وعن هذا الإشكال، نستطيع أن نؤكِّد على تواتر حديث الغدير، وأنَّه صادرٌ قطعاً عن رسول الله (ص)، بل إنَّ القليل من النصوص النبوية بلغت من التواتر والشياع ما بلغه حديث الغدير، فقد نصَّ رسول الله (ص) على ولاية أمير المؤمنين على ملأٍ كبيرٍ من المسلمين في حجَّة الوداع، بعد أن عادوا من مكة، فكانوا مائة ألفٍ أو يزيدون، وقد بيَّن بما لا يدع مجالاً للتشكيك والإيهام معنى التنصيب، ومعنى الولاية. فلا محيص عن الالتزام بصدور الحديث، كما لامحيص عن الإلتزام بدلالته.

وأما أنَّ الصحابة لماذا أجمعوا على عدم العمل بحديث الغدير، قالجواب:

أولاً: ليس من الإنصاف أن نقول أنَّ كلَّ الصحابة لم يعملوا بحديث الغدير؛ ذلك لأنَّه وبمجرَّد أنْ رحل رسول الله (ص) إلى ربِّه، هيمنت طائفةٌ من الصَّحابة على شؤون الأمة، وذلك ما أدّى بالمستضعفين، ومن ليس لهم القدرة على التصدي، إلى أن يسكتوا، أو يتغاضوا.

الذين منعوا من العمل بحديث الغدير هم جمعٌ من الصحابة كان لهم النفوذ، وكانت لهم السَّطوة، وكانت لهم القوة، ولا يسع بقيَّة الصحابة بعدئذٍ أن يقارعوا أمثال هؤلاء القرشيين أصحاب الوجاهة والنفوذ، فقد كان لهم ما يجعلهم قادرين على التصدِّي لكلِّ مَن يُقارعهم ويُعارضهم. والتأريخ ببابك؛ فلك أن تُراجع التأريخ لتعرف أنَّه لم تكن لبقيَّة الصَّحابة قوَّةٌ حتى يُقارعوا بها القوَّة القرشية التي استأثرت بالحكم بعد رسول الله (ص)، وحدَثتْ شؤونٌ وملابسات لسنا بصدد تفصيلها في هذه الجلسة، هذا أولاً.

وثانياً: ليست هذه هي المرَّة الأولى التي يُخالف فيها الصَّحابة، أو وجوه الصحابة قول رسول الله (ص). نعم، لو استطعنا أن نُثبت أنَّ الصَّحابة كانوا يمتثلون قول رسول الله (ص) في كلِّ ما يقول، وفي كلِّ ما يُوصي به، لكان عدم التزامهم بحديث الغدير يُوجِبُ التَّشكيك فيه، أمَّا أنَّه إذا اعتدنا من وجهاء الصَّحابة مُخالفة الرسول (ص)، ومعارضته، ومواجهته في الكثير من القضايا، وفي الكثير من الأمور -خصوصاً في المسائل المفصلية والأساسية التي لها أثرٌ كبير على مجرى الحركة الإسلامية- فعندئذٍ لا ينقدح هذا الإشكال.

نماذج من مخالفة الصَّحابة لرسول الله (ص):

نذكر لذلك نماذج ثلاثة؛ ليتبيَّن فسادُ هذا الإشكال:

بحسب تعبير حبر الأُمَّة -عبد الله بن عباس-، كان يقول: الخميس، وماأدراك مالخميس؟! رزيَّة ماابتُلي الإسلامُ بمثلها. فكان -كما يقول الرُّواة، كسعيد بن جبير- كان يبكي عندما كان يروي رزيَّة الخميس، حتى أنَّ دموعه تتساقط على الصخر الذي كان يجلس عليه، أو عنده.

يقول ابن عباس: اجتمع الصَّحابة -أو وجهاؤهم- عند رسول الله (ص) وهو في مرضه الذي رحل فيه إلى ربِّه، فلمَّا أن التفت إليهم فوجدهم مجتمعين حوله، وكانوا وجوهاً- وجوه الصحابة-، قال: "إئتوني بدواةٍ وكتف؛ أكتُب لكم كتاباً لن تضلُّوا بعدي أبداً".

بأيِّ شيءٍ قابلوا هذه الدعوة؟! ألم يقُل أحدهم إنَّ رسول الله (ص) ليهجر؟! شَتَمَ رسول الله (ص)، وهَجَاه، وطعن في عقله! ورسول الله (ص) كان في محضرهم، وبين ظهرانيهم! وهل اعترض عليه مُعترِض؟! أو وبَّخه مُوبِّخ؟! لم يوبِّخه أكثرهم.

قال: إنَّ رسول الله يهجر- أي أنَّه فقد عقله!! لا يدري ما يقول، وهو الذي وصفه القرآن بأنه ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى/إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾(2)-، قال: إنَّ رسول الله قد غلبه الوجع، حسبنا كتاب الله!). الرسول يعدهم بالصِّيانة عن الضَّلال، ولو كانوا حريصين على عدم الضّلال لبادروا وجاءوا لرسول الله (ص) بدواةٍ وكتف. أين الحِرص على عدم الضلال؟!

لو أنَّ المُدرِّس قال لك: سأعطيك كتاباً أو ورقة، وإذا قرأتها وفهمتها، فسوف تخرج من الامتحان ناجحاً متفوِّقاً. فأيُّ شيء يكون وضعك؟! ألا تُبادر لأخذ تلك الورقة، وإلى المحافظة عليها؟! ذلك لأنَّك حريصٌ على النَّجاح.

ألم يكن الصحابة حريصين على الأمن من الضلال؟! لو كانوا كذلك لبادروا، ولجاؤوا لرسول الله (ص) بدواةٍ وكتفٍ وهو في آخر أيَّام حياته الشريفة. لم يفعلوا ذلك، بل اتهموه في عقله، وأنَّ الوجع قد غلبه، وأنَّ حسبهم كتاب الله!

ثم شغبوا، فقال لهم رسول الله (ص): قوموا من مجلسي، فلا ينبغي أن تشغبوا في محضري.

خرجوا من عند رسول الله(ص) ولم يعبئوا، ولم يأتوا بدواةٍ وكتف. ابن عباس يقول: هذه هي الرزيَّة التي قصمت ظهر هذه الأمة -رزية يوم الخميس- حيث خالفوا فيها رسول الله (ص).

فهل الغدير كان أوَّل قارورةٍ كُسِرت في الإسلام؟! لم يكن الغدير أولَ قارورةٍ كُسِرت في الإسلام. هذا هو النموذج الأول -ولا نريد أن نتحدَّث فيه بتفصيل؛ حتى لا نخرج عن الغرض-.

النموذج الثاني: سرية أسامة ابن زيد(3):

خالف فيه وجهاء الصَّحابة وكُبَّارهم رسول الله (ص)، رغم تأكيده على إنفاذ جيش أسامة، وتوبيخه لمن لم يتجهَّز للخروج في سريَّة أسامة. ولكن كيف تعاطى وجهاء الصحابة مع هذا الأمر العسكري النبويّ ؟ فعلاوة على مخالفتهم لأمر رسول الله (ص) وإنهم لم ينفذو جيش أسامة فإنهم طعنوا في تأميره لاسامة، وتعرفون ما لهذا النوع من المخالفات من حساسية وخطورة حيث أنها تساوق التمرّد في عرف الجيوش-، وماذا كان ردّهم؟

عندما عيَّن رسول الله (ص) أسامة لقيادة الجيش طعنوا في إمارته، وقالوا إنه حديث السن، وقد جعل تحت رايته شيوخ الصحابة وكبارهم. قالوا ذلك في مجالسهم؛ اعتراضاً على أمر رسول الله! حتى قام رسول الله (ص) فيهم خطيباً، وقال: إن كنتم تطعنون في تأميره فقد طعنتم في تأمير أبيه من قبله. وأكَّد أنه لم يُعيِّنه إلاَّ لجدارته، وأهليَّته لهذا الموقع، ثم أمرهم بإنفاذ جيش أسامة. فتثاقلوا، تثاقلوا، وتثاقلوا، وتثاقلوا، حتى عقد رسول الله (ص) له الرَّاية بنفسه -رغم مرضه الشديد- وأمره بالخروج إلى خارج المدينة، وأمر الناس أن يخرجوا إليه، فأمر جميـع كبار الصحابة -أبا بكر، وعمراً، وعثمان، وأبا عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وكلَّ وجوه الصحابة من المهاجرين والأنصار- أمرهم أن يكونوا تحت راية أسامة.

هل التزموا؟! ألم يقل رسول الله(ص): نفِّذوا جيش أسامة، لعن الله مَن تخلَّف عن جيش أسامة؟! لم يعبئوا، خرجوا ثم عادوا، فقال رسول الله: (طرق المدينة شر عظيم). رجعوا ولم يُنفِّذوا!

وذلك ما يُعبِّر عن أنَّ الكثير من وجوه الصحابة كانوا يجتهدون في مقابل أمر رسول الله (ص)، فليست حادثة الغدير وحدها التي خالف الصحابة مضمونها، حتى نحتجَّ ونقول: لو كان حديث الغدير صادرا،ً وكان مفاده هو الذي يذكره الشيعة لما خالفه الصحابة!

هل كان حديث الغدير وحده الذي تمَّ تجاوزه من قِبَل الصحابة؟! هذا هو النموذج الثاني.

النموذج الثالث: صلح الحديبية(4)

الحديث حول صلح الحديبية طويل، ولكن نأخذ منه موضع الشاهد: لمَّا أن قَبِلَ رسول الله (ص) بالصُّلح، جاء عمر إلى رسول الله (ص) مُغضباً، مُحتجاً، مُعارضاً لرسول الله (ص)، يقول للرسول (ص) : ألستَ رسول الله؟! -عجباً لهذا السؤال، كم يُعبِّر عن جرأةٍ وجسارةٍ غريبة ! وكلُّ ما نذكره الآن مذكور في كتب الفريقين- ألستَ رسول الله؟! قال: بلى أنا رسول الله. قال: أليس قتلانا في الجَّنة، وقتلاهم في النار؟! قال: بلى. قال: ألسنا على الحقِّ، وهم على الباطل؟! قال: نحن على الحقّ، وهم على الباطل. قال: إذن، لماذا نأخذ الدّنيَّة في ديننا؟! وكأنَّ هناك من هو أحرص على الإسلام من رسول الله (ص)، واكثر غيرة منه عليه !! -فقال رسول الله (ص) لعمر: (إنِّي رسول الله).- التفت إلى مَن ُتُكلِّم، (إني رسول الله). فخرج من عند رسول الله (ص) مُغضباً ولم يقتنع، رغم أنَّ هذه الإجابة كافية: (إنِّي رسول الله)، معنى هذا إنَّه لا ينبغي لك أن تعترض، ولم يكن من الجائز أن تتجاسر، ولا يجوز لك أن ترتاب، (إنِّي رسول الله)، أنت لا تُكلِّم قائداً يُخطئ ويُصيب، بل أنت تُكلِّم من لا يفعل شيئاً إلاَّ عن وحيٍ، وعن أمرٍ إلهيّ.

بعدها يذهب لأبي بكر، ويُعيد نفس السؤال، وأبو بكر يجيبه بأنَّه رسول الله. هكذا ينقلون.

ثمَّ بعد أن عقد رسول الله (ص) الصَّلح مع المشركين، قال للصحابة قوموا فانحروا هديكم، واحلقوا رؤوسكم. قال ذلك ثلاثاً فلم يقم واحدٌ منهم! لم يستجب أحدٌ لرسول الله! لم يكونوا راضين بما فعله رسول الله! لم يحلقوا، ولم ينحروا! فدخل رسول الله (ص) خيمته- وكان فيها أمٌ سلمة -حزيناً مكتئباً؛ من مخالفة المسلمين له وعدم استجابتهم لأمره، ثم خرج رسول الله (ص) من خيمته بعد أن قال لأم سلمة "ما لقيت من الناس"، وينحر البُدْنَ بيده، ثم يأمر الحالق فيحلق شعر رأسه: فلمَّا رأى المسلمون ذلك قاموا فنحروا وحلقوا(5).

هذا نموذجٌ ثالث -أيضاً- من النماذج المُعبِّرة عن أنَّ الصَّحابة، أو الكثير من الصحابة لم يكونوا يمتثلون أمر رسول الله (ص) امتثالاً تاماً.

كانت ثمَّة عوامل، ودوافع تدفعهم نحو عدم الامتثال:

الدوافع وراء مخالفة الرسول (ص):

أولاً: الدوافع الشخصية

دوافع شخصية، ودوافع قبليَّة -فبعدُ لم يتخلَّصوا من شوائب الجاهليَّة التي شاخوا عليها-، فلا يمكن أن نُقلِّل، أو نُشكِّك في حديث الغدير، لمجرَّد أنَّ الصَّحابة لم يلتزموا به.

السيد عبد الحسين شرف الدين -قدس الله نفسه الزكية- في كتاب النص والاجتهاد، ذكر الكثير، الكثير من الموارد التي خالف فيها كبار الصحابة رسول الله (ص)، وخصوصاً في الأمور التي تتنافى ومرئيَّاتهم -إذا لم نقُل: دوافعهم الشخصيَّة-.

ثانياً: الاجتهاد في مقابل النصّ

ابن عبَّاس يروي لنا أنَّ عمر -في إحدى سفراته- يقول له: يا ابن عبَّاس، لازال سيُّدكم واجداً علينا بعد أن صرفنا عنه دمامنا؟ والله ما صرفناها عنه إلاَّ لأمور: لحداثة سِنِّه، ولبغض قريشٍ له.

إذن، فقد تدخَّلت الاجتهادات في مقابل النصِّ الإلهيّ، وفي مقابل الأمر النبوي وفي نصٍّ آخر، أجابه ابن عباس فقال: أمَّا حداثة سِنِّه فما كانت مانعةً له أن يُبلغِّ براءة بأمر رسول الله (ص)، ولم تكن قد منعته لأن يكون هو الحامل لواء رسول الله(ص) في كلِّ المواقع. وأما بُغضُ قريشٍ له، فعلى ما تبغضه قريش؟! لأنَّه قتل كُبَّارهم، ورجالهم؟! أما إنَّه لم يقتل أحداً إلاَّ بأمر رسول الله(ص)، وعلى ذلك فرسول الله(ص) أحق بالبغض -فإذا كنتم، أو كانت قريش تبغض علياً(ع)؛ فكان الأجدر بها أن تبغض رسول الله (ص)-.

وفي مورد آخر يقول عمر لإبن عباس، بعد أن قال له ابن عباس إنَّ رسول الله (ص) أراد أن يجعلها في علي .. فأيُّ شيءٍ قال عمر؟! قال: أراد رسول الله (ص) شيئاً، وأراد الله شيئاً آخر. عجباً! إرادة رسول الله لا تكون في إطار إرادة الله؟!

إذن، فالمسألة خضعت لاجتهادات، ولم تكن ناشئةً عن عدم وجود نصّ، فالنصُّ كان جلياًّ، واضحاً، حتى أنَّ عمر كان قد صرَّح -في موارد عديدة-: أنَّ رسول الله أراد أن يجعلها في عليٍّ عندما قال آتوني بدواةٍ وكتف، فصرفتُها؛ حمايةً لهذه الأُمَّة(6)! يعني أنَّ رسول الله (ص) لم يكن يعي ويفهم مغبَّة تنصيب عليِّ (ع)، وأنَّ تنصيب عليٍّ (ع) سوف يُودي بكلِّ ما جاء به رسول الله (ص)، وسوف يجرُّ الأُمَّة إلى فتنةٍ عمياء. فكان عمر هو الذي صان الأمة من الفتنة!!، بعد أن كاد رسول الله (ص) أن يُوقع الناس، وأن يُوقع هذه الأمة في الفتنة!!. هذا هو مفاد كلامه!

الخلاصة: الغدير ليس أوّل قارورة كُسِرَت في الإسلام

إذن، نختم حديثنا بالتَّأكيد على أنَّ هذا الإشكال لا يمكن أن يتُمَّ بعد أن لم يكن حديث الغدير هو وحده الذي تمَّت مُخالفته من قِبَل وجهاء الصحابة.

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- صحيح البخاري ج4 / ص31، ج5 / ص137، صحيح مسلم ج5 / ص76، شرح مسلم للنووي ج11 / ص89، عمدة القاري للعيني ج14 / ص298، ج18 / ص61، السنن الكبرى ج3 / ص433، ج4 / ص360، مسند أحمد ج1 / ص336، مسند الحميدي لعبدالله بن الزبير الحميدي ج1 / ص242.

2- سورة النجم / 3-4.

3- الطبقات الكبرى لابن سعد ج2 / ص189، تاريخ الإسلام للذهبي ج2 / ص713، امتاع الاسماع للمقريزي ج2 / ص124، ج14 / ص520، وغيرهم.

4- صحيح البخاري ج3 / ص182، ج4 / ص70، ج6 / ص45، صحيح مسلم ج5/175، السنن الكبرى للبيهقي ج9 / ص220، مجمع الزوائد للهيثمي ج6 / ص237، عمدة القاري للعيني ج14 / ص4، 5 صحيح ابن حبان ج11 / ص224 وغيرهم.

5- صحيح ابن حبان ج11 / ص225، الدر المنثور للسيوطي ج6 / ص77، صحيح البخاري ج3 / ص182، مسند أحمد ج4 ص/331، السنن الكبرى للبيهقي ج5 / ص215، ج9 / ص220، مسند ابن راهويه ج4 / ص14، المعجم الكبير للطبراني ج20 / ص14 وغيرهم.

6- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج12 / ص21، كشف الغمة للأربلي ج2 / ص47.