تقديم الحج على الوفاء بالنذر


المسألة:

لو نذر المكلف أن يزور الإمام الحسين (ع) في كربلاء يوم عرفة واتفق ان حصلت له الاستطاعة في تلك السنة فأيُّهما يقدم زيارة الحسين (ع) أو الحج لبيت الله الحرام؟

الجواب:

المشهور بين الفقهاء هو تقديم الزيارة وفاءً للنذر، وذلك لأن وجوب الحج مشروط بالاستطاعة وهي تعني فيما تعني اشتراط القدرة الشرعية في وجوب الحج وحيث أن المكلف ملزم بالوفاء بالنذر والحضور في أرض كربلاء يوم عرفة لذلك فهو غير قادر شرعاً على حضور الموسم وأداء المناسك، ومنشأ عدم القدرة هو المنع الشرعي عن ترك الوفاء بالنذر، وبذلك يكون وجوب الوفاء بالنذر نافياً لموضوع الوجوب للحج وهو الاستطاعة فلا توجد استطاعة في الفرض المذكور حتى يكون الحج واجباً.

فهو نظيره وجوب الوفاء بالدين في وقت الحج، فكما أن وجوب الوفاء بالدين ينفي الاستطاعة فكذلك وجوب الوفاء بالنذر ينفي الاستطاعة.

وبتعبير آخر: وجوب الوفاء بالنذر واجب شرعاً وليس مشروطاً بغير القدرة العقلية على أدائه شأنه شأن سائر التكاليف، وأما الحج فهو بالإضافة إلى اشتراطه بالقدرة العقلية هو مشروط بالقدرة الشرعية وهي الاستطاعة ولذلك لا يكون وجوب الحج مزاحماً لمطلق التكاليف وان كان هو أهم ملاكاً منها لو تحقق وجوبه وصار فعلياً.

فلأن المكلف يصبح بعد وجوب الوفاء بالنذر عاجزاً شرعاً عن أداء المناسك فهو غير مستطيع لذلك لا يجب عليه الحج.

هذا هو حاصل ما يمكن أن يستدل به للمشهور إلا أن الصحيح هو عدم تمامية هذا الوجه كما أفاد السيد الخوئي رحمه الله تعالى وذلك لأن اشتراط وجوب الحج بالاستطاعة لا يعني أكثر اشتراط الزاد والراحلة والصحة وتخلية السرب كما هو مفاد الروايات فإذا كان المكلف واجداً لكل ذلك فهو مستطيع وليس في البين شرط آخر غير القدرة العقلية كما هو الشأن في سائر التكاليف.

وعليه يكون المكلف في الفرض المذكور مخاطباً بأداء الحج كما هو مخاطب بالوفاء بالنذر فيكون الفرض من صغريات كبرى التزاحم، وذلك لضيق قدرة المكلف عن امتثال كلا التكليفين، والترجيح يكون بجانب وجوب أداء الحج وذلك لأن وجوب الوفاء بالنذر مشروط بكون متعلق النذر راجحاً، إذ أن معنى النذر هو الالتزام لله بفعل شيء أو ترك شيء ولا يصح للمكلف أن يلتزم لله بشيء مرجوح بل لا يصح له الالتزام لله بشيء فاقد للرجحان.

وبتعبير الآخر يعتبر: في الالتزام لله بشيء أن يكون صالحاً لأن يُتقرب به لله، ومن الواضح عدم مقرِّبية المرجوح أو الفاقد للرجحان لله تعالى، ولذلك أفتى الفقهاء بعدم وجوب الوفاء بالنذر لو كان متعلقه محرماً أو كان متعلقه ترك واجب رغم عدم وجود نص على ذلك إلا أنه لما كان النذر يعني الالتزام لله بشيء كان ذلك مقتضياً لاعتبار مقرِّبيته له تعالى، فلأن فعل الحرام لا يكون مقرباً لذلك اشترطوا في النذر أن لا يكون متعلقه محرماً أو موجباً لترك واجب.

وبذلك يتضح منشأ عدم وجوب الوفاء بالنذر في فرض المسألة إذ أنه مستلزم لترك واجب وهو ما يعبِّر عن عدم رجحانه بل يعبِّر عن مرجوحيته وعدم صلاحيته للمقرِّبية للمولى جلَّ وعلا.

فزيارة الحسين (ع) وان كان راجحاً في نفسه إلا أنه لما أن اتفق استلزام امتثاله لترك واجب فعلي كان ذلك مستوجباً لصيرورته فعلاً مرجوحاً غير صالح للمقرِّبية وهو ما يكشف عن عدم انعقاد النذر به، وعليه لا يكون صالحاً لمزاحمة وجوب الحج.

والمتحصل أن وجوب الحج لما كان مشروطاً بالاستطاعة التي تعني الواجدية للزاد والراحة والصحة وتخلية السرب والمفترض تحققها ولما كان وجوب الوفاء بالنذر منوطاً برجحان متعلقه وصلاحيته للمقربية لما كان الأمر كذلك وكان الوفاء بالنذر في فرض المسألة موجباً لترك واجب بلغ مرتبة الفعلية لتحقق موضوعه وشرطه فذلك يعبِّر عن مرجوحية متعلَّق النذر وعدم صلاحيته للمقرِّبية وهو ما يكشف عن عدم انعقاده فلا خطاب إذن بالوفاء بالنذر حتى يقال بوقوع التزاحم بينه وبين وجوب الحج.

وبذلك يتبين تعيُّن وجوب أداء الحج في فرض المسألة.

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

29 جمادى الأولى 1427 هـ