ما يُميِّز المجاز المشهور


المسألة:

هل يشترط في تحقق المجاز المشهور استعمال اللفظ في المعنى المجازي بكثرة من دون قرينة؟ أو يكفي ولو مع القرينة؟


الجواب:

نعم، إنَّ ما يُميِّز المجاز المشهور هو استعمال اللفظ في المعنى المجازي دون قرينة، ومنشأ استغنائه عن القرينة هو استعماله في المرحلة الأولى في المعنى المجازي كثيراً مقترناً بالقرينة، فإذا اشتهر استعمال اللفظ في المعنى المجازي استغنى عن القرينة، ومتى ما استغنى عن القرينة صحَّ وصفه بالمجاز المشهور.

 

وبتعبيرٍ آخر: إنَّ الشأن في المجاز المشهور لا يختلف عن مطلق المجاز اللفظي من جهة الحاجة إلى نصب قرينة على إرادة المعنى المعيَّن، غايته انَّ اللفظ قد يكثر استعماله في غير ما وضع له مصحوباً بالقرينة حتى إذا اشتهر استعمال ذلك اللفظ في ذلك المعنى المجازي بحيث يحصل الظن أو الوثوق بإرادة المتكلم له وإنْ لم ينصب قرينة صحَّ وصف ذلك المجاز بالمجاز المشهور.

 

ومثال المجاز المشهور لفظ الدابَّة، فإنَّ هذا اللفظ موضوعٌ لمطلق ما يدبُّ على الأرض من ذوات الأرواح، فيصدق على مثل الإنسان والأنعام والسباع والحشار وغيرها إلا انَّه حيثُ كثُرَ استعمال لفظ الدابَّة مع القرينة في خصوص الفرس أو في خصوص الفرس والبغل والحمار أدَّت هذه الكثرة بعد ذلك إلى استغناء هذا الاستعمال عن القرينة، فصار لفظُ الدابَّة دالَّاً على إرادة المعنى المجازي إبداءً دون الحاجة إلى القرينة، وهو ما صحَّح وصفه بالمجاز المشهور، فمنشأ التصحيح لوصفه بالمجاز المشهور هو استغناؤه عن القرينة لكثرة استعمال ذلك اللفظ فيه.

 

ويُمكن التمثيل أيضاً للمجاز المشهور بلفظ الصلاة الموضوع في اللغة للدعاء، فإنَّ لفظ الصلاة -بناءً على عدم ثبوت الحقيقة الشرعية له- استُعمل كثيراً مع القرينة في العبادة المخصوصة ثم بعد أنْ كثُر استعماله في هذا المعنى الخاص مع القرينة أصبح لفظ الصلاة دالَّاً على المعنى الخاص ابتداءً ودون الحاجة إلى أن ينصب المتكلم قرينةً على إرادته، ولذلك صحَّ وصف استعمال لفظ الصلاة في العبادة المخصوصة بالمجاز المشهور.

 

ثم انَّ استغناء المجاز المشهور عن القرينة لا يعني تجرُّده دائماً عن القرينة بحيث لو وجدناه مكتنفاً بقرينةٍ على إرادته كان ذلك أمارةً على عدم كونه مجازاً مشهوراً ، فإنَّ ذلك غير مرادٍ من تعريف المجاز المشهور بل إنَّ المقصود من استغنائه عن القرينة هو انًّ اللفظ لو استُعمل مجرَّداً عن القرينة لكان دالَّاً على إرادة المعنى المجازي، وذلك على حلاف المجاز غير المشهور فإنَّ اللفظ لا يدلُّ على إرادته ما لم ينصب المتكلِّم قرينة على ذلك.

 

ثم إنَّه قد يُقال إنَّ المجاز المشهور لا يختلف عن المجاز غير المشهور فإنَّ كلاً منهما غير مستغنٍ عن القرينة مطلقاً، غايته انَّ المجاز المشهور يكون مستغنياً عن القرينة الخاصَّة لكنَّه لا يكون مستغنياً عن القرينة العامة، ولتكن هذه القرينة العامة هي اشتهار استعمال اللفظ في المعنى المجازي، فيستغني المتكلِّم عن نصب القرينة الخاصَّة اتِّكالاً في تفهيم مراده على شهرة الاستعمال في المعنى المجازي، ومؤدَّى ذلك واقعاً هو احتياج المجاز المشهور في تعيُّن إرادته على القرينة، وإن كانت هذه القرينة من القرائن العامة. إلا ان يقال إن ما يميِّز المجاز اللفظي هو القرائن الخاصة، فلا يكون مجازاً لفظياً حتي يكون مفتقراً إلى القرينة الخاصة، وبناءً على ذلك يكون المجاز المشهور مبايناً للمجاز اللفظي.

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور