صوم شهر محرَّمٍ كلِّه


المسألة:

هل يجوز صيام شهر محرَّمٍ الحرام كلِّه؟ وهل هناك رواية في فضيلة صوم الشهر كلِّه؟

الجواب:

يجوز الصوم في مطلق أيام السنة ما عدا الأيام التي قام الدليل على حرمة صومها كصوم يومي العيدين، وأما استحباب صوم أيام شهر محرَّم كلِّها فلم يثبت بعنوانه، يعني انَّ استحباب صومه كاستحباب صوم سائر أيام السنة، إذ لم تثبت فضيلة خاصة لصوم شهر محرَّم بعنوانه كما هي ثابتة مثلاً لصوم شهر شعبان، نعم يُستحب صوم شهر محرَّم بعنوانه -لا باعتباره من سائر أيام السنة- عند العامة استناداً إلى رواياتٍ معتبرة عندهم، وأما من طرقنا فوردت روايات في استحباب صوم شهر محرَّم بعنوانه ولكنَّها ضعيفة السند.

وهذه الروايات هي:

الأولى: مرسلة المفيد في (المقنعة) عن النعمان بن سعد، عن عليٍّ (عليه السلام) أنَّه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لرجل: "إنْ كنت صائماً بعد شهر رمضان فصم المحرَّم، فإنَّه شهرٌ تاب الله فيه على قوم، ويتوب الله تعالى فيه على آخرين"(1)

الثانية: مرسلة حدائق الرياض للمفيد عن الصادق (عليه السلام) قال: "مَن أمكنه صوم المحرَّم فإنَّه يعصمُ صائمه من كلِّ سيئة"(2)

الثالثة: مرسلة السيد ابن طاووس في الإقبال عن النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "إن أفضل الصلاة بعد الصلاة الفريضة الصلاة في جوف الليل، وإن أفضل الصيام من بعد شهر رمضان صوم شهر الله الذي يدعونه المحرم"(3)

فهذه الروايات وإنْ كانت ظاهرة في استحباب صوم شهر محرَّم بعنوانه ولكنَّها ضعيفة الاسناد، فلا يثبت بها استحباب إلا بناءً على قاعدة التسامح في أدلَّة السنن، وحيث انَّ هذه القاعدة غير تامَّة لذلك لا يُشرع صوم شهر محرم بقصد الاستحباب الخاص، وما يصحُّ هو صوم أيامه بقصد استحباب الصوم في مطلق أيام السنة أو بقصد الرجاء لمطلوبيَّة صوم شهر محرَّم بخصوصه.

نعم ثبت استحباب صوم اليوم الأول من شهر محرم استناداً إلى معتبرة الريَّان بن شبيب التي رواها الشيخ الصدوق (رحمه الله) في المجالس وعيون أخبار الرضا (ع) بسنده عن الريان قال: دخلتُ على الرضا (عليه السلام) في أول يومٍ من المحرَّم، فقال لي: يا بن شبيب أصائمٌ أنت؟ فقلتُ لا، فقال: إنَّ هذا اليوم هو اليوم الذي دعا فيه زكريا (عليه السلام) ربَّه فقال: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء﴾(4) فاستجاب الله له، وأمر الملائكة فنادت زكريا وهو قائمٌ يصلِّي في المحراب ﴿أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى﴾(5) فمَن صام هذا اليوم ثم دعا الله عزَّ وجل استجاب الله عز وجل له كما استجاب لزكريا (عليه السلام)(6).

فنظراً لتماميَّة سندها يكون استحباب صوم اليوم الأول من شهر محرَّم ثابت.

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- المقنعة -الشيخ المفيد- ص 376.

2- الحدائق الناضرة -المحقق البحراني- ج 13 ص 377.

3- الحدائق الناضرة - المحقق البحراني - ج 13 ص 377.

4- سورة آل عمران / 38.

5- سورة آل عمران / 39.

6- الحدائق الناضرة -المحقق البحراني- ج 13 ص 377.