حكم شق الجيب على الميت


المسألة:

1- ما حكم شقِّ الجيب على الميت؟ وهل هو جائز على الاب أو الأخ؟

2- وما صحة الروايات التالية:

- أنّ الإمام الحسين (ع) قال لزينب (ع): "لا تشقّي علَيَّ جيباً، ولا تخمشي عليَّ وجهاً، ولا تدعي علَيَّ بالويل والثبور إذا أنا هلكت".

- عن الإمام الصادق (ع): "وقد شققن الجيوب، ولطمن الخدود -الفاطميات- على الحسين بن عليّ (ع)، وعلى مثله تلطم الخدود وتشقّ الجيوب".


الجواب:

المعروف بين الفقهاء هو حرمة شقِّ الجيب أو الثوب على الميِّت بل ادَّعى العديدُ من الفقهاء رضوان الله عليهم انَّ ذلك هو المشهور.

 

ومستندهم في ذلك عدَّةٌ من الروايات:

الأولى: ما رواه الكليني في الكافي قال: "عن عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْخَزَّازِ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) فِي قَوْلِ اللَّه عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ﴾(1) قَالَ: الْمَعْرُوفُ أَنْ لَا يَشْقُقْنَ جَيْباً، ولَا يَلْطِمْنَ خَدّاً، ولَا يَدْعُونَ وَيْلاً، ولَا يَتَخَلَّفْنَ عِنْدَ قَبْرٍ، ولَا يُسَوِّدْنَ ثَوْباً، ولَا يَنْشُرْنَ شَعْراً"(2).

 

الثانية: ما رواه الكليني أيضاً في الكافي قال: عن عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُقْبَةَ عَنِ امْرَأَةِ الْحَسَنِ الصَّيْقَلِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: لَا يَنْبَغِي الصِّيَاحُ عَلَى الْمَيِّتِ ولَا شَقُّ الثِّيَابِ"(3)، وفي نسخة الوسائل "ولا تشق الثياب"(4).

 

الثالثة: ما رواه الشهيد الثاني في مُسكِّن الفؤاد عن ابن مسعود، قال: قال رسول اللَّه (ص): "ليس منّا من ضرب الخدود وشقّ الجيوب"(5).

 

الرابعة: ما رواه الشهيد الثاني أيضاً في مُسكِّن الفؤاد أيضاً عن أبي أمامة أنّ رسول اللَّه (ص) قال"لعن اللهالخامشة وجهها، والشاقّة جيبها، والداعية بالويل والثبور"(6).

 

الخامسة: ما رواه سبط الشيخ الطبرسي في مشكاة الأنوار، ووالده في مكارم الأخلاق نقلا من كتاب المحاسن، عن أبي عبد الله (ع) في قول الله عزَّ وجل: ﴿وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ﴾ قال: "المعروف أنْ لا يشققن جيباً، ولا يلطمن وجهاً، ولا يدعون ويلا، ولا يقمن عند قبر، ولا يسوِّدن ثوباً، ولا ينشرن شعرا"(7).

 

السادسة: ما رواه القاضي النعمان في دعائم الاسلام: عن جعفر بن محمد (ع) انَّه أوصى عندما احتضر فقال: "لا يلطمن على خدٍّ، ولا يشقَّنَّ عليَّ جيب، فما من امرأة تشقُّ جيبها الا صُدع لها في جهنم صدع، كلَّما زادت زِيدت"(8).

 

فهذه الروايات هي مستند القائلين بحرمة شقِّ الجيب على الميِّت مضافاً إلى ما أرسله الشيخ الطوسي في المبسوط (9) حيث أفاد انَّ الحرمة مرويةٌ عن أهل البيت (ع) واستدلَّ بعضهم على الحرمة بدعوى انَّ شقَّ الجيب من السخط على قضاء الله وقدره وهو محرم دون ريب، واستدلَّ آخرون على الحرمة بأنَّ شقَّ الجيب اتلافٌ للمال بغير وجهِ حق وهو من التبذير المحرَّم.

 

إلا انَّه اُجيب عن الدليل الثاني بعدم الملازمة بين شقِّ الجيب والسخط على قضاء الله، فقد يشقُّ المصاب جيبه لفرط الحزن ولكنَّه غير ساخطٍ على قضاء الله جلَّ وعلا، نعم لو كان شقُّ الجيب مصاحباً للسخط على قضاء الله تعالى لكان هذا المكلَّف موزوراً لا لأنه شقَّ جيبه بل لسخطه على قضاء الله تعالى.

 

وأما دعوى انَّ شق الجيب من التبذير فلا تصح، وذلك لأنَّه يُعدُّ من التنفيس عن الحزن المحتقِن في القلب، فيكون لشقِّ الجيب غرض يتفهَّمه العقلاء، وهو ما يمنع من وصفه بالتبذير المتقوِّم بصرف المال دون وجهٍ عقلائي.

 

وأما الروايات المذكورة فهي ضعيفة من حيث السند إلا انْ يُدَّعى تعاضدها الموجب للوثوق بصدورها في الجملة أو يُدَّعى انجبار ضعفها بعمل المشهور بمضمونها، وأحدهما أو كلاهما هو منشأ فتوى مَن أفتى بحرمة شقِّ الجيب على الميِّت، ولا ريب انَّ ذلك هو الأوفق بالإحتياط.

 

وأما استثناء شقِّ الجيب على الأب والأخ فمستنده ما ورد من انَّ الإمام العسكري (ع) شقَّ جيبه على أبيه الامام الهادي (ع) حين موته، وحين سُئل عن ذلك أجاب بأنَّ موسى الكليم (ع) شقَّ جيبه على هارون أخيه حين موته -لاحظ الوسائل (10)- فيُستدلُّ على جواز شقِّ الجيب على الأب بفعل الإمام العسكري (ع) ويُستدلُّ على جواز شقِّ الجيب على الأخ باستدلال الامام (ع) على ذلك بفعل نبيِّ الله موسى (ع) إلا انَّ الروايات الواردة في ذلك وإنْ كانت متعددة ولكنَّها ضعيفة السند، فلا يُعوَّل عليها إلا بناء على دعوى انجبار ضعف اسنادها بعمل المشهور بمضمونها، وقد يتأيَّد ذلك بدعوى الإجماع على استثناء الأب والأخ من الحرمة، والأمر سهل، وذلك لأنَّ روايات الحرمة ليست نقية السند كما ذكرنا.

 

وأما جواب السؤال الثاني:

فالرواية الأولى رواها الشيخ المفيد في الإرشاد: عن عليِّ بن الحسين (ع): انَّ الحسين (ع) قال لأخته زينب: "يا أختاه اني أقسمتُ عليك فأبرِّي قسمي، لا تشقِّي عليَّ جيباً، ولا تخمشي عليَّ وجهاً، ولا تدعي عليَّ بالويل والثبور إذا أنا هلكت"(11)، ورواها الشيخ الطبرسي في اعلام الورى (12)، ونقلها العديد من المؤرخين مثل اليعقوبي في تاريخه(13) والطبري في تاريخه (14) وابو مخنف في مقتل الحسين (ع) (15) والكامل لابن الأثير(16).

 

فرواية الشيخ المفيد من حيث السند ضعيفة لأنَّها مرسلة ولكنَّها معتضدة بما سبق نقله من الروايات وبتعدُّد نقلها من الفريقين.

 

وأما الرواية الثانية فقد رواها الشيخ الطوسي في التهذيب بسنده عن خالد بن سدير أخي حنان بن سدير عن أبي عبدالله الصادق (ع) قال: ".. ولقد شققنَ الجيوب ولطمنَ الخدود الفاطمياتُ على الحسين بن علي (ع)، وعلى مثله تُلطم الخدود وتُشقُّ الجيوب"(17).

 

فالرواية ضعيفة السند بخالد بن سدير نظراً لكونه مجهول الحال إلا انَّ جواز اللطم وشقِّ الجيب على الحسين الشهيد (ع) ثابت من روايات اخرى كثيرة ورواية خالد بن سدير مؤيِّدة.

 

فمما يدلُّ على جواز اللطم وشقِّ الجيب على الحسين (ع) ما ورد بسندٍ معتبرٍ عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله (ع) -في حديث- قال: "كلُّ الجزع والبكاء مكروهٌ سوى الجزع والبكاء على الحسين (ع)"(18).

 

وروايتا الشيخ المفيد وخالد بن سدير لا تعارض بينهما، وذلك لأنَّ شقَّ الجيب واظهار الجزع في محضر الأعداء من مثل السيدة زينب (ع) مضافاً إلى منافاته لمقام السيدة هو منافٍ للمسئوليات التي أنيطت بها، فالنهي -كما يظهر من صدر الرواية وسياقها- كان قُبيل مقتل الحسين (ع) فالمتبادر من ذلك هو إرادة النهي عن اظهار الجزع بُعيد المقتل أو حين وقوعه حيثُ تكون السيدة (ع) تحت نظر الأعداء وفي أسرهم، واما اظهار الجزع باللطم وشقِّ الجيوب من الفاطميات في محافل النساء فغير مستلزم للمحذور المذكور، إذ لا يظهر من رواية خالد بن سدير انَّهنَّ فعلن ذلك في محضر الأعداء، أو يُقال انَّ النهي في رواية المفيد متَّجهٌ لخصوص السيدة زينب (ع) كما هو مقتضى تخصيص الوصية بها بل إنَّ ذلك ظاهر من تصدير الإمام (ع) نهيه بالقسَم على السيدة (ع) وأمرها بأنْ تبرَّ قسمه ممَّا يُعبِّر عن انَّ المنهيَّ عنه من اظهار الجزع ليس محرماً في حدِّ نفسه ولكنَّه (ع) أراد -لخصوصيةٍ- الزامها بترك اظهار الجزع فأقسم عليها وأمرها ان تبرَّ قسمه.

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

 


1- سورة الممتحنة / 12.

2- الكافي -الشيخ الكليني- ج 5 ص 527.

3- الكافي -الشيخ الكليني- ج 3 ص 225.

4- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 3 ص 273.

5- مسكن الفؤاد -الشهيد الثاني- ص 99.

6- مسكن الفؤاد -الشهيد الثاني- ص 99.

7- مشكاة الأنوار في غرر الأخبار -علي الطبرسي- ص 355  / مكارم الأخلاق -الشيخ الطبرسي- ص 233.

8- دعائم الإسلام -القاضي النعمان المغربي- ج 1 ص 226.

9- المبسوط -الشيخ الطوسي- ج1 ص189.

10- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج3 باب 74 من أبواب الدفن.

11- الإرشاد -الشيخ المفيد- ج 2 ص 94.

12- أعلام الورى -الشيخ الطبرسي- ج1 ص457.

13- تاريخ اليعقوبي -اليعقوبي- ج2 ص 244.

14- تاريخ الطبري -الطبري- ج4 ص319.

15- مقتل الحسين -أبو مخنف- ص111.

16- الكامل في التاريخ -ابن الأثير- ج4 ص59.

17- تهذيب الأحكام -الشيخ الطوسي- ج 8 ص 325.

18- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 3 ص 282.