قصة دخول الباقر (ع) على الحجاج؟!


المسألة:

ورد في كتاب مستدرك الوسائل قال: وجدتُ في غير واحد من المجاميع، وبعضها بخطِّ بعض الأفاضل، خبراً طويلاً في مكالمة الباقر (ع) مع الحجَّاج في صغر سنه: أوله: حدثنا أبو عبد الله الكرخي (رحمة الله عليه) قال: حضرت مجلس الحجاج بن يوسف الثقفي، وعنده جماعة من الأعيان، و الناس حوله محدقون، ولهيبته مطرقون، وهو كالجمل الهائج، إذ دخل علينا صبي صغير السن لم يبلغ الحلم، حسن الشباب نقي الثياب لا نبات بعارضه، وهو كأنه البدر في ليلة تمامه، فسلم على الحاضرين فردوا عليه السلام وقاموا له إجلالا له، فأُعجب الحجاج من حسنه وجماله، وبهائه وكماله، وأدبه وفصاحته وهيبته، فقال له الحجاج: من أين أقبلت يا صبي؟ فقال: "من ورائي" وساق الخبر، إلى أن قال: ثم قال الحجَّاج: أي النساء أجود؟ قال الصبي: "ذات الدلال والكمال والجمال الفاضل" قال: فما تقول في بنت العشر سنين؟ قال: "لعبة اللاعبين" قال: فما تقول في بنت العشرين؟قال: "قرةُ أعين الناظرين" قال: فما تقول في بنت الثلاثين؟ قال: "لذةٌ للمباشرين" قال: فما تقول في بنت الأربعين؟ قال: "ذاتُ شحمٍ ولحمٍ ولين" .. إلى ان قال: فما تقول في بنت المائة؟ قال: "لا تسأل عن أصحاب الجحيم" قال: فعند ذلك قال الحجاج: قد وصفتها لي نثراً، فصفها لي نظماً، فأنشأ الباقر (ع) هذه الأبيات يقول: "متى تلقَ بنت العشر قد نطَّ نهدها ** كلؤلؤةِ الغوَّاص يهتزُّ جيدها" الخبر مستدرك الوسائل ج 14 ص 306 ص 308. هل هذا الخبر صحيح ؟!


الجواب:

هذا الخبر في غاية الضعف من حيث السند، فمضافاً إلى انَّه مجهول المصدر، فإنَّ راويه وهو أبو عبد الله الكرخي مجهول الحال بل هو مهملٌ لا ذكر له في كتب الرجال، على انَّ الخبر منافٍ للحقائق التاريخيَّة، فالقصة المذكورة لو وقعت في أول أيام امارة الحجاج على العراق -كما هو المناسب مع بلد ناقل القصَّة الكرخي- لكانت في سنة ثمانين من الهجرة وعمر الإمام الباقر (ع) حينذاك قد تجاوز الثانية والعشرين وكان متزوجاً وقد وُلد له الإمام الصادق (ع) على قولٍ مشهور، والحال انَّ القصة المذكورة تتحدَّث عن" صبيٍّ صغير السن لم يبلغ الحلم" ولو فرضنا أنَّ القصة وقعت حين كان الحجاج والياً على مكة الشريفة -بعد هزيمته لابن الزبير وقتله ايَّاه- فإنَّ ذلك سوف يكون في سنة خمسة وسبعين من الهجرة أو قبلها بسنة واحدة -على أقلِّ التقادير- وعمر الإمام الباقر(ع) حينذاك بلغ أو تجاوز الثمانية عشر سنة والقصة تتحدث عن" صبيٍّ صغير السن لم يبلغ الحلم" هذا بقطع النظر عما اشتملت عليه القصة من مضامين وأحاديث سمجة يعلم كلُّ مَن عرف سمت أهل البيت (ع) ومروءتهم ووقارهم وهديهم وترفُّعهم عن الخوض في مثل هذه الأحاديث منذ نعومة أظفارهم يعلم انَّ مثل ذلك لا يصدر عنهم.

 

وثمة مضعِّفٌ آخر لهذه القصة وهو انَّه ليس من أحدٍ له أدنى معرفة بالتاريخ إلا وهو يعلم بما كان ينطوي عليه الحجَّاج من عداوةٍ وبغض لأهل البيت (ع) وكان يفتك ويقتل لمجرَّد الاشتباه والتهمة بالولاء والحب لأهل البيت (ع) وكان يدأب على لعن عليٍّ (ع) في مجلسه وعلى منبره وكذلك هو شأن بطانته وحاشيته، فكانت بينه وبين أهل البيت (ع) وحشةٌ ونفرةٌ شديدة لا تخفى على أحد، وعليه ليس من المعقول انْ يقصده واحدٌ من أهل البيت (ع) -وإن كان صبيَّاً- ليسامره ويُلاطفه بهذه الأحاديث فإنَّ للصبي مَن وراءه، والحجاج ممقوتٌ عند أهل البيت (ع) وكلُّ بني أمية وولاتهم كانوا ممقوتين عند أهل البيت (ع) وذلك ينعكس بطبيعة الحال على صغارهم ممن هم دون الإمام الباقر (ع) في القرب والمكانة من هذا البيت الشريف فكيف بمثل الباقر(ع) الذي كان ابناً لركن البيت العلوي في وقته وهو الإمام زين العابدين (ع).

 

فالخبر من نسج خيال أحد القصاصين أو انَّه اتَّفق لبعض الناس فنُسب للإمام الباقر (ع) اشتباهاً.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور