قنوتا صلاة الجمعة


المسألة:

من المتعارف أنَّ في صلاة الجمعة "قنوتين"، الأول قبل الركعة الأولى، والثاني بعد الركعة الثانية، لكننا وجدنا روايةً ينقلها العلامة المفضال آية الله الشيخ محمد جواد مغنية (رض) في كتابه فقه الإمام الصادق (ع) -الجزء الأول- ويعبِّر عنها بصحيحة السند عن معاوية بن عمار أنَّ الإمام الصادق (ع) قال: "ما أعرف قنوتاً إلا قبل الركوع"، ويعقِّب سماحته في هذا الصدد بقولٍ مفاده أنَّ السيد الحكيم في مستمسك العروة الوثقى نقل عن كتاب السرائر: "القنوت الواحد هو الذي يقتضيه مذهبنا واجماعنا".

 

ومن هذا المنطلق نسألكم السؤال الشرعي المحق والمهم في آنٍ واحد وهو كالتالي: من أين جاء القنوت الثاني "الزائد" في صلاة الجمعة؟ وهل من الناحية الشرعية يُعتبر الإتيان به بدعة أم لا؟


الجواب:

المشهور عند الاماميَّة أنَّ في صلاة الجمعة قنوتين الأول في الركعة الأولى قبل الركوع، والثاني في الركعة الثانية بعد القيام من الركوع، ومستندُ فتوى المشهور بذلك هو الروايات المعتبرة الواردة عن أهل البيت (ع):

 

منها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) في حديث قال: "على الإمام فيها أي في الجمعة قنوتان: قنوت في الركعة الأُولى قبل الركوع، وفي الركعة الثانية بعد الركوع .."(1).

 

ومنها: موثَّقة أبي بصير قال: سأل عبد الحميد أبا عبد الله (ع) وأنا عنده عن القنوت في يوم الجمعة .. قال: "يا أبا محمد هو في الركعة الأولى والأخيرة". قال: قلتُ: جعلتُ فداك قبل الركوع أو بعده؟ قال: "كلُّ القنوت قبل الركوع إلا الجمعة فإنَّ الركعة الأولى القنوتُ فيها قبل الركوع والأخيرة بعد الركوع"(2).

 

ومنها: موثقة سماعة قال: سألتُه عن القنوت في الجمعة؟ فقال: "أمَّا الإمام فعليه القنوت في الركعة الأولى بعد ما يفرغ من القراءة قبل أنْ يركع، وفي الثانية بعد ما يرفع رأسَه من الركوع قبل السجود .."(3).

 

فهذه رواياتٌ ثلاث معتبرة من حيث السند، وهي ظاهرةٌ في أنَّ من خصوصيَّات صلاة الجمعة هو استحباب القنوت فيها مرَّتين في الركعة الأولى والثانية، وأمَّا ما ذهب إليه ابن ادريس صاحب السرائر (رحمه الله) من عدم مشروعيَّة القنوت الأول فمنشأه هو يتبنَّاه من عدم حجيَّة أخبار الآحاد وإنْ كانت صحيحة أو موثقة بل وحتى لو كانت مستفيضة كما في المقام ، فالمعتبر عنده هو خصوص الأخبار المتواترة أو الموجبة للقطع ، وهذا المبنى لم يعتمده أحدٌ من الفقهاء سوى ابن ادريس والسيد المرتضى -بحسب ما نُسب إليه- وأمَّا سائر الفقهاء فيعتمدون في الفروع على الأخبار الصحيحة والموثَّقة أو الموثوقة وإنْ لم تكن متواترة، ومستندُهم في ذلك هو ما تمَّ تحريره في علم الأصول من الأدلة القطعيَّة التي قامت على حجيَّة خبر الثقة في الفروع.

 

وأمَّا ما أفاده ابن ادريس من دعوى الإجماع فهو مُنتقِضٌ بأنَّ مذهب المشهور هو على خلاف ما ذهب إليه، وأما نقل السيد الحكيم في المستمسك لما أفاده صاحب السرائر فكان لغرض استعراض الأقوال في المسألة، فقد أجاب السيد الحكيم عمًّا ذهب إليه صاحب السرائر وما ذهب إليه الشيخ الصدوق في كتابه الفقيه بقوله: "إنَّه طرحٌ للنصوص المذكورة وغيرها مما يأتي الإشارة إليه من غير وجهٍ ظاهر"(4) واحتمل السيد الحكيم( رحمه الله) أنَّ مراد ابن ادريس من دعواه "القنوت الواحد هو الذي يقتضيه مذهبنا واجماعنا" هو القنوت في الركعة الأولى نظراً لوجود روايات عديدة تقتضي ذلك ثم أجاب عن هذا الاحتمال: بأنَّ الجمع بين هذه الروايات والروايات التي ذكرناها وشبهها يقتضي الحمل على بيان الأفضل، أو نحو ذلك، ممَّا لا ينافي التعدُّد، المصرَّح به الروايات السابقة.

 

فمبنى السيد الحكيم هو مبنى المشهور القائلين باستحباب قنوتين في صلاة الجمعة استناداً إلى الروايات المعتبرة بل والمستفيضة.

 

وأمَّا ما ورد في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال: "ما أعرف قنوتاً إلا قبل الركوع" فلم يرد في صلاة الجمعة، لذلك فالمُستظهَر من الرواية هو إرادة الصلوات المتعارفة، فلا يشمل مثل صلاة الجمعة التي نصَّت الروايات المعتبرة أنَّ القنوت الثاني فيها يكون بعد ركوع الركعة الثانية كما أفاد ذلك مثل السيد الخوئي رحمه الله.

 

وبتعبيرٍ آخر: إنَّ مقتضى الجمع بين صحيحة معاوية بن عمار وبين الروايات التي أفادت أنَّ في صلاة الجمعة قنوتين وأنَّ القنوت الثاني بعد الركوع ، مقتضى الجمع هو البناء على أنَّ موضع القنوت في عموم الصلوات يكون قبل الركوع إلا في مثل صلاة الجمعة فإنَّ القنوت الثاني يكون بعد الركوع، فصحيحة معاوية بن عمار مطلقة تُقيِّدها الروايات المعتبرة في قنوت صلاة الجمعة. ويدلُّ على هذا الجمع مضافاً إلى أنَّه مقتضى صناعة الجمع العرفي ما ورد في موثقة أبي بصير عن أبي عبدالله الصادق (ع) قال: "كلُّ القنوت قبل الركوع إلا الجمعة فإنَّ الركعة الأولى القنوت فيها قبل الركوع والأخيرة بعد الركوع "(5).

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

 


1- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 6 ص 271.

2- تهذيب الأحكام -الشيخ الطوسي- ج 3 ص 17.

3- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 6 ص 272.

4- ما لا يحضره الفقيه -الشيخ الصدوق- ج 6 ص 494.

5- تهذيب الأحكام -الشيخ الطوسي- ج 3 ص 17.