وجدان سمكة في جوف أخرى


المسألة:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ورد في مسألة وجدان سمكة في جوف أخرى أدلة تفيد جواز الأكل:

1- روايتان طريق احدهما السكوني والثانية مرسلة عن أبان فلو سلّمنا -فرضاً- بعدم الإعتماد على الروايتين.

2- ان الجاري استصحاب الحياة فيكون حاكم على استصحاب عدم التذكية. كما عن بعض الفقهاء -سلمهم الله-.

وفي مسألة اخرى: وهي ما لو علم إجمالاً بوجود بعض الأسماك غير المذكاة في الثلاجة وكانت الشبهة غير محصورة فظاهر عبائرهم -انه مع عدم الأخذ من المسلم أو سوق المسلمين- يحرم الأكل لأصالة عدم التذكية .

1- لماذا لا يجري استصحاب الحياة في هذا الفرض أيضاً ويكون حاكماً على أصالة عدم التذكية؟

2- لو علمنا بكون بعض السمك مذكى وبعضه غير مذكى وكانت الشبهة غير محصورة فهل يكفي الاجتناب عن العدد المعلوم إجمالاً ويحكم بجواز أكل الباقي؟

الجواب:

1- قد يُقال إنَّ الموردين مختلفان:

في الفرض الأول وهو مالو وجدت سمكة في جوف أخرى كانت قد أخرجت من الماء وهي حية فإنَّ التي في جوفها تكون محكومة بالحليَّة، وذلك لأنَّ موضوع التذكية للسمك مركبٌ من جزئين الأول هو الأخذ من الماء والثاني هو الحياة حين الإخراج، فالجزء الأول من موضوع التذكية محَرزٌ بالوجدان والجزء الثاني محرَزٌ بالاستصحاب أي استصحاب الحياة إلى حين الأخذ، فبضمِّ ما بالوجدان إلى ما بالتعبد يتنقَّح موضوع التذكية، ولذلك لا يجري استصحاب عدم التذكية، لأنَّ استصحاب عدم التذكية يتمُّ في فرض الشك في التذكية، وليس ثمة شك في التذكية بعد احراز موضوعها بالوجدان والتعبُّد.

والقول بأنَّ احراز أحد جزئي موضوع التذكية -وهو الحياة إلى حين الإخراج -كان بالاستصحاب فما الوجه في تقدُّمه على استصحاب عدم التذكية؟

جوابه انَّ استصحاب الحياة أصلٌ سببي بالنسبة لأستصحاب عدم التذكية لذلك يكون حاكمٌ ومقدَّمٌ عليه، ومعنى انَّه أصلٌ سببي هو انَّه جارٍ في موضوع استصحاب عدم التذكية ونافٍ لموضوعه، فموضوع استصحاب عدم التذكية هو الشكُّ في تحقُّق التذكية فإذا استُصحبتْ الحياة إلى حين الأخذ لم يبقَ شكٌّ في التذكية حتى يصحَّ استصحابه.

وأما الفرض الثاني فهو ما لو وجد المكلَّف سمكاً لا يدري هل وقعت عليه التذكية أولا فإنَّ استصحاب الحياة لا يُجدي بعد أن لم يكن الجزء الآخر لموضوع التذكية محرزاً، فجزء موضوع التذكية للسمك هو الأخذ من الماء وذلك غير محرَزٍ لا بالوجدان ولا بالتعبُّد، ووجود السمك خارج الماء في السوق مثلاً لا يُساوق الأخذ فقد يكون السمك مما نضب عنه الماء أو وثب إلى خارجه أو قذفته الأمواج إلى خارجه، وكلُّ ذلك لا يعدُّ أخذاً ولا صيداً والشارع إنَّما أحلَّ صيد البحر(1) والصيد لا يصدق في فرض وجدان السمك خارج الماء ميتاً.

وما قد يقال انَّ الأخذ محرزٌ إذ لا ريب انَّ الذي جاء به إلى السوق قد أخذه وإنَّما الشك في انَّه أخذه حيَّاً أو ميِّتاً فنستصحب حياته إلى حين أخذه اياه وبذلك يتنقَّح موضوع التذكية.

فجوابه كما قيل انَّ استصحاب الحياة إلى حين الأخذ معارضٌ باستصحاب عدم الأخذ إلى حين الموت لأنَّ الأخذ مسبوقٌ بالعدم فيُستصحب إلى حين الموت، وبذلك يسقط كلا الاستصحابين عن الحجيَّة فيكون الأصل الجاري دون معارض هو استصحاب عدم التذكية.

إلا انَّ ما يرد على ذلك انَّ استصحاب عدم الأخذ إلى حين الموت لو كان جارياً في المقام فهو جارٍ أيضاً في السمكة التي وُجدتْ ميتةً في جوف أخرى حيَّة فإنَّه يصحُّ انْ يقال إنَّ أخذ السمكة مسبوقٌ بالعدم فيمكن استصحاب عدم أخذها إلى حين موت ما في جوفها فالموردان من وادٍ واحد.

فالصحيح انْ يُقال انَّ الفرق بين الموردين هو النص وهو معتبرة السكوني(2) والتي أفادت بأنَّ السمكة التي يجدها الصائد في جوف أخرى تكون محكومة بالحل وإنْ كانت ميتة. وأما السمك المشكوك في تذكيته فهو محكوم بأصالة عدم التذكية إما لأنَّ استصحاب الحياة إلى حين الأخذ معارَضٌ باستصحاب عدم الأخذ إلى حين الموت أو لأنَّ استصحاب الحياة لا يُجدي في إثبات التذكية لأنَّ استصحاب الحياة لا ينقِّح موضوع التذكية إلا بناءً على حجيَّة الأصل المثبت، فإنَّ المحرز بالوجدان هو الأخذ والمحرز بالتعبُّد هو الحياة وأما الأخذ حال الحياة فهو غير محرَزٍ بأحدهما، نعم هو لازم استصحاب الحياة وليس هو عين المُستصحَب، فالأخذ حال الحياة ليست له حالة سابقة حتى تُستصحب.

2- يجوز الأكل من الباقي لو كان السمك في سوق المسلمين أو في يد المسلم فأقصى ما تقتضيه الشبهة غير المحصورة هو حرمة المخالفة القطعية، فمع اجتناب مقدار المعلوم بالإجمال يكون المكلَّف ممتثلاً لحرمة المخالفة القطعية، وعليه فليس ثمة مانع من تناول بعض أطراف الشبهة لوجود المؤمِّن بحسب الفرض وهو سوق المسلمين أو اليد، نعم لا يجوز تناول السمك الذي ليس في سوق المسلمين ولا في يد المسلم لجريان أصالة عدم التذكية في مورده وعدم وجود ما يمنع من جريان هذا الأصل .

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ..﴾ سورة المائدة / 96.

2- عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيه عَنِ النَّوْفَلِيِّ عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) أَنَّ عَلِيّاً (ع) سُئِلَ عَنْ سَمَكَةٍ شُقَّ بَطْنُهَا فَوُجِدَ فِيهَا سَمَكَةٌ فَقَالَ: "كُلْهُمَا جَمِيعاً". الكافي (مُشَكَّل) - الشيخ الكليني - ج 6 ص 218./ وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج 24 ص 86.