مؤدى الأمارة حكم ظاهري


المسألة:

قال بعض الأصوليين: وقد يطلق الحكم الظاهري على الحكم المستفاد من الأمارة والأصل، أقول: هل إطلاق الحكم الظاهري على الحكم المستفاد من الرواية مسامحي إذ هو خلاف كون الحكم الظاهري ما فرض في موضوعه الشك، فأنَّ مؤدى الأمارة لم يفرض في موضوعه الشك بخلاف الحجية المجعولة لها التي هي حكم ظاهري؟

الجواب:

الحكم الواقعي هو الحكم المجعول على موضوعه دون ان يكون منشأ الجعل أو مورده الشك في حكم مسبق للموضوع.

وأما الحكم الظاهري فهو الحكم المجعول على الموضوع المشكوك في حكمه الواقعي، فكلُّ حكمٍأُخذ في موضوعه الشك أو كان مورده الشك في حكم ذلك الموضوعفهو حكم ظاهري.

وعليه فالأصل العملي بجميع أقسامه حكمٌ ظاهري، لأنَّه حكمٌ أُخذ في موضوعه الشك في الحكم الواقعي للموضوع، فالحكم بطهارة الكتابي المبتنية على أصالة الطهارة حكم ظاهري، لأنَّ موضوع الأصل وهو الكتابي نشك في حكمه الواقعي وهو ما صحَّح لنا اجراء الأصل في مورده والحكم بطهارته. فالطهارة حكمٌ ثبت للكتابي بتوسُّط الشك فيالحكم الثابت للكتابي واقعاً، ولولا الشك لما أمكن اجراء الأصل والحكم بطهارته.

وكذلك فإنَّ الحجية الثابتة للأمارة حكمٌ ظاهري، وذلك لأنَّ ثبوت الحجيَّة للأمارة كان بتوسُّط الشك في الحكم الواقعي للأمارة، فالحكم الثابت للأمارة -الموضوع- في نفس الأمر والواقع مجهول لنا هل هو الحجيَّة أو عدمها، وهذا هو ما صحَّح البناء على حجيَّتها، لأنَّ دليل الحجيَّة أفاد ثبوت الحكَمَبالحجية للأمارة في فرض الجهل لا مطلقاً.

وأما مؤدَّى الأمارة فهو حكمٌ ظاهري أيضاً وإنْ لم يُؤخذ في موضوعه الشك في الحكم، لأنَّه يكفي في اعتبار الحكم ظاهرياً ان يُؤخذ في مورده الشك في الحكم الواقعي، ومن الواضح انَّ الحجيَّة لن تثبت لمؤدَّى الأمارة إلا في مورد الشك في الحكم الواقعي، فمع عدم الشك لا يكون مؤدى الأمارة حجة أي لا يكون الحكم الثابت لموضوعه -المستفاد من الأمارة- حجة ومنجزاً ومعذِّراً.

فحينما ترد رواية مفادها انَّ صلاة الجمعة واجبة فإنَّ مؤدَّى الأمارة هو وجوب صلاة الجمعة، فهذا الحكم وهو الوجوب -الثابت لهذا الموضوع وهو صلاة الجمعة- لن يكون حجَّةً ومنجّزاً على المكلَّف إلا في ظرف الشك في الحكم الواقعي لصلاة الجمعة، فلو كان المكلَّف عالماً بأنَّ صلاة الجمعة واجبة أو غير واجبة، فإنَّ مؤدَّى الأمارة لا اعتبار له.

فإطلاق الحكم الظاهري على مؤدَّى الأمارة ليس تسامحياً، لأنَّ الحكم المستفاد من الأمارة وإنْ لم يُؤخذ في موضوعه الشك في الحكم الواقعي ولكنَّهأُخذ في مورده الشك في الحكم الواقعي.

نعم جعل الحجيَّة للأمارة كان بملاك كاشفيتها الغالبة عن الحكم الواقعي، فهي تتصدَّى للكشف عن الحكم الواقعيوتزعم انَّ مؤداها هو الحكم الواقعي إلا انَّه ونظرا لنقص كاشفيتها يكون مؤدَّاها حكماً ظاهرياً بالنسبة لمتلقِّي الأمارة التي تكون حجةً في حقه.

فمتلقِّي الأمارة يظلُّ شكه قائماً في انَّ مؤدى الأمارة هل هو الحكم الواقعي أو لا، أي انَّ الحكم المستفاد من الأمارة يحتمل انْ يكون مطابقا للحكم الثابت في نفس الأمر والواقع ويحتمل أن لا يكون كذلك، ولهذا فهو حكمٌ ظاهري.

وبتعبير آخر: دور الأمارة هو الكشف عن الحكم الواقعي ولكن كاشفيتها إنما تكون معتبرة في فرض الشك في الحكم الواقعي. وهي حين تكشف عن الحكم الواقعي لا تتمكن من الغاء الشك ولهذا لا يكون منكشفها ومؤداها حكماً واقعياً جزماً بل هو حكم واقعي ظاهراً.

فالتعبير أساساً عن الحكم الظاهري في مورد الأمارة بالحكم الظاهرينشأ عن كاشفية الأمارة ظاهراً عن الحكم الواقعي، فمعنى الحكم الظاهري في مورد الأمارة هو الحكم الواقعي ظاهراً. أي بحسب الظاهر.

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور