هل حدُّ السرقة من حقوق الله أو الناس؟


المسألة:

الرواية الأولى: عن الفضيل: سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: فقال: ".. إذا أقر على نفسه عند الإمام بسرقة قطعه، فهذا من حقوق الله ..".

الرواية الثانية: عن الحسين بن خالد، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: "الواجب على الإمام إذا نظر إلى رجل يزني أو يشرب الخمر أن يقيم عليه الحد، ولا يحتاج إلى بينة مع نظره، لأنه أمين الله في خلقه، وإذا نظر إلى رجل يسرق أن يزبره وينهاه ويمضي ويدعه، قلت: وكيف ذلك؟ قال: لأن الحق إذا كان لله فالواجب على الإمام إقامته وإذا كان للناس فهو للناس".

لماذا هناك تعارض في الروايتين في السرقة، حيث في الأولى اشارة الى انها من حقوق الله عز وجل وفي الثانية انها من حقوق الناس؟

الجواب:

نعم بين الروايتين تعارض، ولذلك وقع الخلاف بين الفقهاء في حدِّ السارق فذهب بعضُهم ولعلَّه المشهور إلى عدم جواز اقامةِ الإمام الحدَّ على السارق ما لم يُطالب بذلك المسروق منه، واستندوا في ذلك إلى معتبرة الحسين بن خالد، وفي مقابل ذلك ذهب آخرون إلى أنَّ حدَّ السرقة من حقوق الله تعالى، ولهذا يصحُّ للإمام إقامة الحدِّ على السارق حتى مع فرض عدم مطالبة المسروق منه، واستندوا في ذلك إلى معتبرة الفضيل.

ومنشأ استنادهم إلى معتبرة الفضيل دون معتبرة الحسين بن خالد هو انَّ الروايتين متعارضتان، فالمرجع حينئذٍ هو مرجِّحات باب التعارض والتي منها موافقة إحدى الروايتين لعموم الكتاب المجيد، ومن الواضح انَّ الموافقَ لعمومِ الكتاب هو معتبرة الفضيل والتي لم تُقيِّد اقامة الحد بمطالبة المسروق منه كما هي الآية الشريفة: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ فهي لم تقيِّد اقامة الحدِّ بمطالبة المسروق منه بل فرضت اقامة الحدِّ على السارق دون تقييده بالقيد المذكور.

فالتقييد في معتبرة الحسين بن خالد بمطالبة المسروق منه وإن كان يصلح في نفسه لتقييد عموم الكتاب المجيد ولكن المانع من صلاحيته للتقييد هو معارضته لمعتبرة الفضيل وبالتالي سكون الترجيح بعد استحكام التعارض هو عموم الكتاب.

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور