الصلاة على جنازة الطفل


المسألة:

أطرح هذا السؤال: كيف يمكن الجمع بين الروايات أو حل تعارضها على القول باستقرار التعارض في مسألة وجوب الصلاة على الطفل الميت؟ وهل يمكن المناقشة في ما ذهب إليه المشهور بهذه الأمور:

 

1- صحيح زرارة والحلبي: لا يمكن القبول بذيلها وذلك من جهة احتمال كون تعبيره بمتى تجب الصلاة عليه هو متى تجب عليه الصلاة تكليفاً ويحاسب عنها بقرينة عطف الإمام الصيام على الصلاة أو لا أقل من الإجمال في المراد من جهة الشك في مقصود الإمام، فيُأخذ بصدرها بناءً على التبعيض في الحجية كما هو مبنى كثير فتكون العبرة بما إذا عقل الصلاة.

 

2- صحيحة زرارة الثانية، فقال: إذا عقل الصلاة وكان ابن ست سنين الظاهر أن الواو تفسيرية فتفسير الإمام لعقله للصلاة عادة إذا بلغ الست بقرينة الرواية الآتية فتكون الموضوعية لكونه عاقلاً للصلاة وأما التعبير بالست فهو على نحو العنوان المشير.

 

3- صحيح علي بن جعفر عن أخيه حيث قال: سألته عن الصبي أيصلى عليه إذا مات وهو ابن خمس سنين؟ قال: "إذا عقل الصلاة صلي عليه" وتقريب الإستفادة ظهور كلام الإمام وكذلك مفهوم الشرط في نفي الوجوب عن لم يعقل الصلاة فيكون المدار في الوجوب كون الطفل يعقل الصلاة ومع الشك في ذلك يصلى على ابن ست؟


الجواب:

أما صحيحة زرارة والحلبي عن أبي عبد الله (ع) أنه سُئل عن الصلاة على الصبي متى يُصلَّى عليه؟ فقال: "إذا عقل الصلاة". قلتُ متى تجبُ الصلاة عليه؟ قال: "إذا كان ابن ستِّ سنين والصيام إذا أطاقه".

 

فظاهر سؤال السائل في صحيحة زرارة والحلبي أنَّه كان يسأل عن وقت مخاطبة الصبي بالصلاة اليوميَّة فكان جواب الإمام (ع) أنَّه يُخاطب بالصلاة إذا بلغ ستَّ سنين وكذلك هو مخاطبٌ بالصوم إذا أطاقه، والسائل إنَّما سأل عن وقت ثبوت الصلاة اليوميَّة على الصبي ليتعرَّف من ذلك على الوقت الذي يعقل فيه الصبي الصلاة فيتحدَّد عنده الوقت الذي تجب فيه الصلاة عليه لو مات. فسؤال السائل عن وقت ثبوت الصلاة اليوميَّة على الصبي كان مرتَّباً على جواب الإمام أنَّ وجوب الصلاة عليه يثبت حين يعقل الصلاة، ومعنى عقله للصلاة هو مخاطبته بها ولو بنحو الإستحباب.

 

وعليه فالرواية صالحة لأنْ يستدلَّ بها على أنَّه تجب الصلاة على الصبي إذا بلغ ستَّ سنين، نعم هي لا تدلُّ على تعيُّن الصلاة في هذا السن، فلو عقل الصلاة وهو ابنُ خمس سنين فإنَّ مقتضى الإطلاق فيصدر الرواية هو وجوب الصلاة عليه، ولكن هذا الإطلاق يصحُّ تقييده بما دلَّ على أنه لا يُصلَّى على جنازة الصبي إلا بعد بلوغه ستَّ سنين كما هو مقتضى الظاهر من صحيحة زرارة التي اشتملت على قول أبي جعفر: "إذا عقل الصلاة وكان ابن ستِّ سنين"فإنَّ ظاهرها هو عدم كفاية عقل الصلاة مالم يبلغ ستَّ سنين.

 

فقولُه (ع): "وكان ابن ستِّ سنين" إما أنْ يكون بصدد تفسير مراده من عقل الصلاة وعليه يتعيَّن الوقوف على تفسير مراده، وإما أنْ يكون وهو الأظهر بصدد تقييد عقل الصلاة، فكأنَّه أراد القول أنَّ عقل الصلاة وحده غير كافٍ لوجوب الصلاة على جنازته مالم يكن قد بلغ ستَّ سنين.

 

وأما صحيحة عليِّ بن جعفر عن أخيه موسى قال: سألتُه عن الصبي أيصلَّى عليه إذا مات وهو ابن خمس سنين؟ قال إذا عقل الصلاة صُلِّي عليه".

 

فمفادها نفي وجوب الصلاة على من لم يتجاوز الخمس سنين، وذلك بقرينة الروايات الأخرى التي أفادت أن عقل الصلاة يكون في سنِّ السادسة، فمفاد جواب الإمام بناءً على ذلك هو انَّ وجوب الصلاة على جنازة الصبي إنَّما يثبت حين يعقل الصلاة وحيث أنَّه لا يعقل الصلاة إلا حين يبلغ ستَّ سنين لذلك لا تجب الصلاة على جنازة ابن الخمس سنين، هذا هو مفاد الرواية بمقتضى الجمع بينها وبين الروايات التي قيَّدت عقل الصلاة أو فسَّرته ببلوغ السنة السادسة.

 

وبتعبير آخر: إنَّ صحيحة عليِّ بن جعفر كصحيحة زرارة والحلبي يُقيَّد إطلاقها بصحيحة زرارة الثانية.

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور