الزواج من المسيحية بقاعدة الإلزام


المسألة:

هل يجوز الزواج من المسيحية المتزوجة -بناء على صحة الزواج منه- التي يحرم في شرعها الطلاق اذا طلقت في المحاكم الوضعية؟ لو فرضنا انَّه لا عبرة لهذه المحاكم في شرعهم، وهل تجري في حقها قاعدة الالزام او القواعد البديلة؟

وهل يجوز للحاكم الشرعي تطليقها اذا كانت متضررة او بلغت مرحلة الحرج من البقاء على هذا الحال؟

الجواب:

بناءً على تماميَّة قاعدة الإلزام فإنَّها لا تختصُ بالمسلمين، فهو وإنْ كان القدر المتيقَّن في مجرى القاعدة هو المسلم المخالف إلا انَّ اطلاق بعض الروايات قاضٍ بعدم الإختصاص، وهي معتبرة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (ع) قال: سألتُه عن الاحكام قال: "تجوز على أهل كلِّ ذوي دين ما يستحلون"(1) ورواية عبد الله بن طاووس عن أبي الحسن الرضا (ع): "مَن دان بدين قوم لزمته أحكامهم"(2).

وعليه فبناءً على مشروعيَّة الزواج من الكتابيَّة فإنَّه يصحُّ الزواج من المسيحيَّة المطلَّقة إذا كان طلاقها صحيحًا بحسب دينها كما في الطلاق الضرري -ظاهرًا- الذي يحكم به القاضي عندهم.

فزواج المسلم من مثل هذه المسيحيَّة صحيح وإنْ كان طلاقها فاقدًا لشرائط الصحة بحسب ديننا ومذهبنا.

نعم لو وقع طلاق المسيحيَّة في المحاكم الوضعيَّة وكان على خلاف ما تقتضيه شريعة الدين المسيحي فزواج المسلم من مثلها غير جائز لأنَّها بحكم المتزوِّجة بحسب دينها وقد أقرَّ الشارع كلَّ قومٍ على نكاحهم كما هو مقتضى السيرة القطعيَّة وبعض النصوص الواردة عن أهل البيت (ع) كقوله (ص) في معتبرة أبي بصير: " لكلِّ قوم نكاح"(3)، فقاعدة الإلزام غير جارية في مثل هذا الفرض، لأنَّها إنَّما تجري في الموارد التي يكون فيها الفعل مباحًا للطرف الذي يُراد الزامه أو حقًا عليه بحسب دينه، وفي مفروض المسألة فإنَّ الزواج ليس مباحًا للمسيحيَّة بحسب دينها، لأنَّها بحكم المتزوِّجة بمقتضى شريعتهم، فلا تكون موردًا لما أفاده الإمام (ع) في مثل معتبرة محمد بن مسلم: "تجوز على أهل كلِّ ذوي دين ما يستحلون".

وأما ما هو حكم تطليق الحاكم الشرعي للمسيحيَّة لوقوعها في الحرج أو الضرر فجوابه أنَّ الحرج النافي للتكليف هو الحرج الناشئ عن الحكم الشرعي، فمفاد قاعدة نفي الحرج هو نفي كلِّ حكم ينشأ عنه الحرج وكذلك هي قاعدة نفي الضرر فكلُّ حكمٍ ينشأ عنه وقوع المكلَّف في الضرر فهو منفي، وحيث إنَّ الحرج والضرر الواقعين على المسيحيَّة المتزوجة لم ينشآ عن حكم الشارع المقدس وإنَّما نشآ عن تدينها بالدين المسيحي لذلك فالقاعدتان غير جاريتين في حقِّها وبوسعها الخروج مما هي عليه من حرجٍ وضرر بدخولها في الإسلام فحينئذٍ تبينُ من زوجها ويكون بوسعها الزواج من غيره.

على أنَّ طلاقها من الحاكم الشرعي لا يرفع عنها الحرج والضرر لأنَّ ذلك لا يصحِّح لمسلمٍ الزواج منها لأنَّها ليست موردًا لقاعدة الإلزام بعد افتراض التزامها بدينها الحاكم بكونها متزوِّجة والمفترض أنَّ مسيحيًّا آخر لن يتزوجها نظرًا لكونها متزوِّجة بحسب دينه، فحكم الحاكم الشرعي بطلاقها لا يعدو العبث.

وتوهُّم أنَّ للمسلم الزواجَ منها بعد تطليقها لقاعدتي نفي الحرج والضرر يدفعه أنَّ القاعدتين إنَّما تجريان في حقِّ الواقع في الحرج والضرر فهو الذي ينتفي عنه الحكم الحرجي والضرري، وأما المسلم الذي يُريد الزواج منها فإنَّ حكم الشارع بحرمة زواجه منها لا يُوقعه في الحرج والضرر، فلا يكون موردًا للقاعدتين.

فالشأن في ذلك هو شأنُ المرأة التي يضرُّ بها الإنجاب ضررًا شديدًا فإنَّ ذلك لا يُصحح لزوجها كشف عورته لإجراء عملية قطع النسل، لأنَّ الحكم بحرمة كشفه لعورته لا ينشأ عنه ضرر عليه فلا يكون موردًا للقاعدة، نعم قد يقال إنَّ الحكم بحرمة كشف هذه الزوجة لعورتها حكم ينشأ عنه الضرر، فلو كان الأمر كذلك فإنّ قاعدة نفي الضرر تجري في حقها.

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 26 ص 158.

2- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 22 ص 75.

3- تهذيب الأحكام -الشيخ الطوسي- ج 7 ص 472.