معنى: ﴿فَخَانَتَاهُمَا﴾


المسألة:

قوله تعالى في سورة التحريم: ﴿ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا﴾. لماذا قلتم إنَّ الخيانة في الآية بمعنى الزنى ولم تبنوا على تأويلها إلى معنى آخر رغم أنَّكم تُجيزون التأويل؟!


الجواب:

الخيانة في الآية الشريفة ليست بمعنى الزنى -والعياذ بالله- بل المراد من الخيانة هو الخيانة للأمانة بنقض العهد وإفشاء السرِّ والمضادَّة للحقِّ وما يكون في هذا السياق، وهذا المعنى هو ما أفاده جمهور مفسِّري الشيعة وعلمائهم. وللتثبُّت من ذلك أنقل لكم بعض كلماتهم.

 

يقول الشيخ أبو جعفر الطوسي في كتاب التبيان في تفسير القرآن عند تفسير قوله تعالى: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا﴾ قال ابن عباس: كانت امرأة نوح وامرأة لوط منافقتين (فخانتاهما) قال ابن عباس: "كانت امرأة نوح كافرة، تقول للناس إنَّه مجنون، وكانت امرأة لوط تدلُّ على أضيافه، فكان ذلك خيانتهما لهما" ثم قال الشيخ الطوسي (رحمه الله): "وما زنت امرأة نبي قط، لما في ذلك من التنفير عن الرسول وإلحاق الوصمة به، فمَن نسب أحدًا من زوجات النبيِّ إلى الزنى، فقد أخطأ خطأ عظيمًا، وليس ذلك قولًا لمُحصِّل"(1).

 

وقال الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي في كتابه جوامع الجامع: ﴿فَخَانَتَاهُمَا﴾ بالنِّفَاقِ والتَّظَاهُرِ على الرَّسُولَيْنِ: فامرأةُ نُوح قَالَتْ لقَومِهِ: إنَّه مجْنُونٌ، وامرأةُ لُوط دَلَّتْ على ضَيفَانِهِ، وعن الضَّحَّاكِ: خَانَتَاهُما بالنَّميمةِ إذا أَوْحَى اللهُ إِليْهِما أَفْشَتَاهُ إلى المُشْركينَ، ولا يَجُوزُ أَن يُرادَ بالخِيَانَةِ الفُجُورُ لأنَّه نَقِيصَةٌ عندَ كلِّ أَحَد، سَمِجٌ في كلِّ طبيعة، بخِلاَفِ الكُفْرِ لأنَّ الكُفَّارَ لا يَسْتَسمجُونَهُ، وعن ابنِ عبَّاس: ما زَنَتِ امرأةُ نَبيٍّ قَطٌّ؛ لِمَا في ذلكَ من التَّنفيرِ عن الرَّسُولِ، وإْلحَاقِ الوَصْمَةِ بِهِ"(2) وذكر قريبًا من ذلك في تفسير مجمع البيان(3).

 

وكذلك أفاد السيِّد الشريف المرتضى في الأمالي قال: ".. ولأنَّ الأنبياء (عليهم الصلاة والسلام) يجب أن يُنزهوا عن مثل هذه الحال لأنَّها تَعرُّ وتشين وتغضُّ مِن القدر، وقد جنب اللهُ تعالى أنبياءه عليهم الصلاة والسلام ما هو دون ذلك تعظيمًا لهم وتوقيرًا ونفيًا لكلِّ ما يُنفِّر عن القبول منهم، وقد حمل ابنُ عباس ظهور ما ذكرناه من الدلالة على أنْ تأول قوله تعالى في امرأة نوح وامرأة لوط فخانتاهما على أنَّ الخيانة لم تكن منهما بالزنى بل كانت إحداهما تُخبر الناس بأنَّه مجنون والأخرى تدلٌّ على الأضياف .."(4). وأفاد قريبًا من ذلك في كتابه تنزيه الأنبياء(5).

 

وقال فتح الله الكاشاني في كتابه زبدة التفاسير في سياق تفسير الآية الشريفة: ".. ولا يجوز أنْ يُراد بالخيانة الفجور، لأنّه سمج في الطباع كلَّها، نقيصة عند كلِّ أحد، موجب لاستخفاف الزوج، وحطَّ مرتبته ومنزلته عن قلوب العباد .."(6).

 

وقال الفيض الكاشاني في التفسير الأصفى: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا﴾ بالنفاق والتظاهر على الرسولين(7).

 

ومحصَّل القول إنَّ ما عليه علماء الشيعة -خلافًا لما يزعمه الآخرون افتراء عليهم- هو أنَّ الخيانة المنسوبة في الآية لزوجتي نوحٍ ولوطٍ (عليهما السلام) لم يكن المراد منها الزنى -فكلُّ نساء الأنبياء مبرءات من الفجور- بل المراد من الخيانة هي مثل الخيانة للأمانة كإفشاء السرِّ والنقض للعهد أو المضادَّة للدين والحق، وهذا المعنى ليس من التأويل بل هو منسجم مع المدلول اللغوي لكلمة الخيانة.

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- التبيان في تفسير القرآن -الشيخ أبو جعفر الطوسي- ج10 / ص52.

2- جوامع الجامع -الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي- ج3 / ص 597.

3- تفسير مجمع البيان -الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي- ج 10 / ص 64.

4- أمالي المرتضى غرر الفوائد ودرر القلائد -السيِّد الشريف المرتضى- ج2 / ص 145.

5- تنزيه الأنبياء -السيِّد الشريف المرتضى- ص 36.

6- زبدة التفاسير-فتح الله الكاشاني- ج7 / ص118.

7- التفسير الأصفى -الفيض الكاشاني- ج2 / ص 1325.