معنى: (أَتَاه الشَّيْطَانُ فَبَالَ فِي أُذُنِه)


المسألة:

هل هذه الرواية صحيحة ومعتبرة؟

"إذا نام أحدكم، يعقد الشيطانُ على ناصية رأسه ثلاث عُقَد ويقول: عليك ليلٌ طويل فارقِد، فإذا استيقظ وذكر الله تعالى انحلَّت عُقْدة، فإذا توضَّأ انحلَّت عُقدة، فإذا صلَّى انحلَّت عُقَدُه كلُّها، فيُصبحُ نشيطًا طيِّب النفس، وإلا أصبح خبيثَ النفس كسلان".


الجواب:

الروايةُ المذكورة لم نجدْ لها ذكراً في شيءٍ من مجاميعنا الروائيَّة، نعم أوردَها ابنُ أبي جمهور الإحسائي مرسلةً في درر اللئالي، عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم)، أنَّه قال يوماً لأصحابه: "إنَّ الشيطان ليعقد على قافية رأس أحدكم، إذا هو نائم ثلاث عُقَد، يضربُ مكان كلِّ عقدةٍ عليك ليلٌ طويل فارقِد، فانْ استيقظ فذكر الله انحلَّت عُقدة، فانْ توضَّأ انحلَّت عُقدة، فانْ صلَّى انحلَّت عُقدة فأصبح نشيطاً طيِّب النفس، وإلا أصبح خبيثَ النفس كسلان"(1).

 

فالروايةُ من حيثُ السند ضعيفةٌ من جهة أنَّها مرسلة، وذلك لأنَّ ابن أبي جمهور الإحسائي لم يذكر طريقَه إلى الرواية، مضافاً إلى أنِّ المرسِل وهو ابن أبي جمهور الإحسائي لم تثبت وثاقتُه فهو مجهول الحال، وذلك منشأٌ آخر لضعف الرواية من حيث السند.

 

نعم وردت الروايةُ من طُرق العامة في العديد من مجاميعهم الروائيَّة فقد أوردها –مثلاً- البخاري في صحيحه بسنده عن هريرة أنَّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) قال: "يعقدُ الشيطانُ على قافية رأس أحدِكم إذا هو نام ثلاث عُقَد يضرب كلَّ عقدة، عليك ليلٌ طويل فارقد، فإنْ استيقظ فذكر اللهَ انحلَّت عُقْدة فإنْ توضَّأ انحلَّت عُقدة، فإنْ صلَّى انحلَّت عُقده فأصبح نشيطاً طيِّب النفس وإلا أصبح خبيثَ النفس كسلان"(2).

 

فالروايةُ بحسب مباني العامَّة معتبرة ولكنَّها ليستْ كذلك عندنا وإنْ كان مفادُها ممَّا لابأس به، فهي تتحدَّث عن تسويل الشيطان وتثقيله وتثبيطه للمؤمن عن قيام الليل، فتشبِّه فعلَ الشيطان بما لو شُدَّ رأس النائم بحبلٍ وعُقد بثلاث عُقَد في قافية رأسِه أي في مؤخرةِ الرأس أسفل العُنق، فإذا استيقظَ فقاومَ الشيطان فذكر اللهَ تعالى انحلَّت عُقدةٌ من العُقَد الثلاث، فكان ذكر الله تعالى معيناً له على حلِّ العُقدة الآولى، فإنَّ تحامَلَ وقوَّى من عزمِه فقام وتوضَّأ لله تعالى انحلَّت العُقدة الثانية، وبقيتْ عُقدةٌ من العُقَد الثلاث، فإنْ استجمع عزمَه فصلَّى لله تعالى انحلَّت العُقدة الثالثة، وبذلك أصبح سعيُ الشيطان لتثبيطه عن الصلاة خائباً، ثم إنَّ الرسول (ص) -بحسب الرواية- أفاد بأنَّ الأثر المترتِّب على مقاومة تثبيط الشيطان وعدم الإصغاء لتسويله هو أنْ يُصبح هذا المؤمن نشيطاً طيِّب النفس أي منشرح الصدر، وأمَّا لو استسلم لتسويل الشيطان وخلَد لرغبته في الراحة والإستجمام فإنَّ أثرَ ذلك هو أنْ يُصبح خاثِراً كسولاً خبيثَ النفس أي ضيِّق الصدر متكدِّر المزاج.

 

هذا وقد ورد من طُرقنا عن أهل البيت (ع) ما يؤكِّد أنَّ نوم المؤمن عن نافلة الليل هو مِن تسويل الشيطان وتثقيله لرأسه في النوم:

 

فمن ذلك ما رواه الكليني في الكافي بسندٍ صحيح عن مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) يَقُولُ: "إِنَّ الْعَبْدَ يُوقَظُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنَ اللَّيْلِ فَإِنْ لَمْ يَقُمْ أَتَاه الشَّيْطَانُ فَبَالَ فِي أُذُنِه"(3).

 

ومنه ما رواه الشيخ في التهذيب بسندٍ صحيح عن محمد بن مسلم أيضاً عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال: "ليس من عبدٍ إلا يُوقظ في كلِّ ليلة مرَّة أو مرَّتين أو مراراً، فانْ قام كان ذلك والا فحَجَ الشيطانُ فبالَ في أٌذنه، أولا يرى أحدُكم أنَّه إذا قام ولم يكن ذلك منه قام وهو متخثِّر ثقيلٌ كسلان"(4).

 

فقولُه (ع): "وإلَّا فحَجَ الشيطانُ فبالَ في أُذنِه" سِيق لغرض الكناية عن تمكُّن الشيطان منه، فالإنسانُ إنَّما يبول في الموضع بعد أنْ يتمكَّن في جلوسه أو قيامه حينذاك يتهيأُ له أنْ يبول، فكأنَّ هذا النائم الذي تثاقلَ عن القيام لنافلة الليل رغم تكرُّر انتباهه من النوم كأنَّه لاستسلامه لتثبيط الشيطان صار مُستراحاً للشيطان يبول فيه كما يبولُ أحدُهم في المُستراح من بيوت الخلا أو المنخفض من الأرض، وقد يكون المُراد ممَّا أفاده الإمام (ع) هو الكناية عن سخريَّة الشيطان به واحتقاره له لتمكُّنه منه بعد أنْ خضع له وأصغى لتثبيطه فصار كأنَّه أسيرٌ مقيَّدٌ بحبائله يتمكَّنُ من التبوُّل عليه كما يتبوَّلُ الطاغي على أسيره إمعاناً في إذلالِه وتحقيره.

 

وقد يكون المراد من تبوُّل الشيطان في أُذنِه هو الكناية عن أنَّ هذا النائم بعد أنْ وفَّقه الله تعالى للإستيقاظ أكثر من مرَّة فتثاقل فلم يقُم للنافلة فإنَّه تعالى يخذلُه فيتمكَّن منه الشيطان فيزدادُ على تثاقله تثاقلاً فلا يتهيأ له القيام بعد ذلك للنافلة حتى يُصبح.

 

فبولُ الشيطان في الأُذُن كناية عن الضرب على سمعِه حتى لا ينتبه، فلأنَّ الأذن هي وسيلة التنبيه للنائم غالباً لذلك يكون وقْرُها أو تعطيلُها مانعاً للتنبه، ولذلك قال اللهُ تعالى: ﴿فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا﴾(5) فبولُ الشيطان في الأٌذُن كأنَّه تعطيلٌ أو حجبٌ لحاسَّة السمع عند النائم ممَّا يؤدِّى إلى صعوبة تنبُّهه بواسطة التصويت أو غيره من المنبِّهات، وأمَّا اختيار التبوُّل للتعبير عن تثقيل الشيطان لحاسَّة السمع فهو لغرض استهجان الاستسلام لتثبيط الشيطان واستهجان الخضوع للرغبة في الخلود للنوم والراحة رغم مخاطبة الله له بالصلاة.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- ص 127 ج 7 جامع أحاديث الشيعة، مستدرك الوسائل للمحدث النوري ج6 ص 340.

2- البخاري ج2 ص 46.

3- الكافي -الشّيخ الكليني- ج3 ص 446.

4- تهذيب الأحكام -للشيخ الطوسي- ج2 ص 334. المراد من فحَج الشيطان هو أنه شغَر ما بين رجليه استعداداً للتبول.

5- سورة الكهف / 11.