قتل الرجل لخادمه


المسألة:

السلام عليكم شيخنا

 هل يصح ما يُقال: إنَّ الرجل إذا قتل عبده –خادمه- فإنَّ الشرع لا يحكم بقتله وإنَّما يحكم بجلده استنادا للقاعدة الفقهية أنَّ: "الحر لا يقتل بالعبد"؟

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمَّدٍ وآل محمد

 

إذا كان مقصودكم هو فرضية قتل الرجل لخادمه المستأجَر فهذا الكلام لا يصحُّ، فإنَّه لم يقعْ خلافٌ بين الفقهاء من الفريقين في أنَّ الرجل إذا قتل خادمه متعمِّدًا فإنَّه يستحقُّ بقتله إيَّاه للقصاص -أي القتل- إلا أنْ يعفو أولياءُ القتيل ويقبلوا بالدية، تمامًا كما لو قتلَ الرجلُ متعمِّدًا رجلًا آخر غير خادمه.

 

وأمَّا إذا كان مقصودُكم من الخادم هو العبد المُسترَق، فهذا الفرض غير قابلٍ للتحقُّق في الظرف الراهن، إذ لا وجود للعبيد في وقتنا الحاضر، فالناسُ كلُّهم أحرار، ولهذا فالحكم منتفٍ لانتفاء موضوعه، نعم حين كانت العبوديَّة قائمة كان الحكم هو أنَّه إذا قتل الرجلُ عبده متعمِّدًا فإنَّه لا يُقتل به بل يُضرب ضربًا شديدًا ويُحبس ويُغرَّم ثمنه، وإذا اعتاد الرجل هذا الفعل المشين فإنَّه يقتل.

 

وقد نصَّت على ذلك العديدُ من الروايات الواردة عن أهل البيت (ع):

منها: صحيحة يُونُسَ بن عبد الرحمن عَنْهُمْ (ع) قَالَ: سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَتَلَ مَمْلُوكَه؟ قَالَ: "إِنْ كَانَ غَيْرَ مَعْرُوفٍ بِالْقَتْلِ ضُرِبَ ضَرْبًا شَدِيدًا وأُخِذَ مِنْه قِيمَةُ الْعَبْدِ ويُدْفَعُ إلى بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وإِنْ كَانَ مُتَعَوِّدًا لِلْقَتْلِ قُتِلَ بِه"(1).

 

ومنها: رواية الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن (عليه السلام): في رجلٍ قتل مملوكه أو مملوكته؟ قال: "إنْ كان المملوك له أُدِّب وحُبس، إلّا أن يكون معروفًا بقتل المماليك فيُقتل به"(2).

 

ومنها: موثقة سماعة عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام)، قال: قال: "يُقتل العبدُ بالحرِّ، ولا يُقتل الحرُّ بالعبد، ولكن يُغرَّم ثمنه، ويُضرب ضربًا شديدًا حتّى لا يعود"(3).

 

فالحكم بعدم قتل الحرِّ بقتله لعبده في المرَّة الأولى مختصٌّ بفرضية كون المقتول عبدًا مملوكًا، وهذا الفرض لا وجود له في الظرف الراهن، فمَن قتل خادمه في الوقت الحاضر فإنَّه يكون قد قتل حرًّا لذلك يكون مستحقًّا للقصاص والقتل.

 

وأمَّا منشأ عدم الحكم بقتل الرجل حين يقتلُ عبده المملوك فليس هو ما توهَّمه البعضُ من أنَّ حرمة العبد المملوك عند الله تعالى أدنى من حرمة الحرِّ، فإنَّ الأحرار والعبيد كلُّهم عبادُ لله تعالى وأقربُهم إليه وأكرمُهم عنده هم الأكثر تقوى كما قال تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾(4) وقد صرَّح القرآن أنَّ العبد المملوك قد يكون أفضل الله تعالى من الحرِّ كما في قوله تعالى: ﴿وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ﴾(5) فعدمُ الحكم بقتل الحرِّ بالعبد لا يعني أنَّ الحرَّ أفضل في دين الله من العبد، تمامًا كما هو الشأنُ بالنسبة للأب وولده، فإنَّ الولد قد يكون عند الله تعالى أفضل من الأب ورغم ذلك حكمَ بعدم قتل الأب لو قتل ولده متعمِّدًا، فالأحكام الشرعيَّة تخضعُ لملاكاتٍ واعتباراتٍ لا صلة لها بالمفاضلة، وقد بيَّنا وجه الحكمة من عدم الحُكم بقتل الحرِّ بالعبد في مقالٍ سابق تحت عنوان "إقرار الإسلام لظاهرة الرّقِّ تمهيدًا لإلغائها"، فراجع إنْ شئت.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- الكافي - الشيخ الكليني - ج7 / ص303.

2- الكافي - الشيخ الكليني - ج7 / ص303.

3- الكافي - الشيخ الكليني - ج7 / ص304.

4- سورة الحجرات / 13.

5- سورة البقرة / 221.