لماذا لا ينتخب الشيعة الصحيح من السُنة ليكون في كتاب مستقل


المسألة:

سماحة الشيخ الجليل

نسمع ان كتب الحديث عند الشيعة ليس كلها صحيح .. مثل الكافي، فلماذا لا ينتخب الصحيح منها ويحذف الغير صحيح منها ..

الجواب:

تعتقد الشيعة الإمامية انّه ليس ثمّة كتاب في الدنيا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه إلا القرآن الكريم فهو كتاب كامل شامل معصوم عن كل خطأ لم تطرأ ولن تطرأ عليه زيادة، ولم ينتابه ولن ينتابه نقصان إلى ان يرث الله الأرض ومن عليها.

وأمّا سائر الكتب فهي لا ترقى لهذا المستوى من الاعتبار، فالسُنة الشريفة وان كانت عِدلاً للقرآن من حيث الصدق والعصمة إلا أنها لم تُّدوَّن إلا في القرن الثاني من الهجرة وهذا أوجب ضياع الكثير منها وتمكّنِ العابثين من الوضع والتدليس، وحين تصدّى مثل البخاري ومسلم لتدوين السُنة أخذاها من صدور الرجال والذين كان يفصلهم عن زمن رسول الله (ص) ما يزيد على المائة سنة وهذا معناه استحالة الجزم بصدق وصوابية كل ما ينقلونه عن الرسول (ص) إذ من غير الممكن ان يتمكن هؤلاء الرجال من حفظ كل ما يؤثر عن رسول الله (ص) دون ان يتخلّل ذلك نسيان أو خطأ في بعض ما ينقلونه، هذا لو أسلمنا بصدقهم جميعًا وعدم تعمدهم الكذب.

فكل ما كان يصنعه أمثال البخاري ومسلم هو التثبّت من وثاقة الرواة الذين تنقل عنهم السُنة أما التثبّت من عدم خطأهم واشتباههم فهو غير متاح لهم، على انهم اعتمدوا على ضوابط في التوثيق نحن لا نعتمدها جميعًا، وتعمدوا الاعراض عن كل ما يرويه الشيعة أو أكثره.

واختلفوا فيما بينهم في وثاقة بعض الرواة وعدم وثاقتهم، فمعنى صحيح البخاري هو الصحيح بنظره لا الصحيح واقعًا وهكذا بالنسبة لصحيح مسلم على انَّ معنى الصحيح كما ذكرناه هو كل رواية نقلها الثقاة بنظرهم وهذا لا يستلزم الصدق دائمًا فقد يخطأ الثقة وقد يشتبه وقد وينسى.

أمّا نحن الإمامية فعندنا مجموعة من الكتب معتبرة ولكن ذلك لا يعني الإيمان بصدق كل ما ورد فيها بل لا بدَّ من ملاحظة رواية رواية للتأكد من وثاقة رواتها وعدم مخالفتها للكتاب المجيد والسُنة المتواترة.

ولأنَّ الفقهاء يختلفون في بعض ضوابط الوثاقة لذلك قد تكون الرواية صحيحة بنظر بعض الفقهاء أو غير صحيحة بنظر البعض الآخر.

ولذلك لو دوَّن أحد الفقهاء الروايات الصحيحة لما أمكن لفقيه آخر ان يعتمد على ذلك دون ان يتابع الاسناد بنفسه للتأكد من صحتها، لأن ما أفاده الفقيه الأول من صحة الروايات التي دوَّنها انما يعني من ذلك تدوين الروايات الصحيحة بنظره ورأيه، وذلك لا يكون حجة على فقيه آخر.

وللعلم فإنَّ الروايات الصحيحة عندنا أكثر بكثير من الروايات الصحيحة عند السُنة غاية ما في الأمر انها غير مدونه في كتاب مستقل، لأنّه لا فرق بين تدوينها في كتاب مستقل وعدم تدوينها بعد ان كان على كل فقيه التصدّي بنفسه لملاحظة أسناد كل رواية، فقد يرى أنَّ بعض الروايات صحيحة ويرى غيره أنها ليست كذلك وقد يكون العكس. فباب الإجتهاد في السند والاستظهار مفتوح لكل مجتهد وليس مقفلاً حتى نفرض على الفقهاء كتابًا محدداً ونقول انّه صحيح بأكمله وعليهم ان يأخذوا به إذن كيف نفترضهم مجتهدين والحال اننا نفرض عليهم تقليد فقيه محدد كان قد رأى انَّ هذه الروايات صحيحة.

قد تقول لماذا لا يجتمع الفقهاء ليدونوا كتابًا واحداً صحيحًا؟

نقول: ماذا عن الفقهاء الذين سيأتون بعدهم فهل نفرض عليهم ان يكونوا مقلدين؟.

ثمَّ ان هنا أمراً أودُ إلفات النظر إليه وهو انَّ السُنة لما التزموا بصحة كل ما ورد في صحيح البخاري فإنهم مضطرون لقبول كل ما ورد فيه وقد اشتمل على خرافات وتناقضات لا ينبغي لعاقلٍ ان يلتزم بها.

أمّا نحن الإمامية ففي سعة من كل ما ورد في مثل كتاب الكافي فنلاحظ بأنفسنا أسانيد الروايات الواردة فيه كما نحاكم مضامينه فكل ما خالف كتاب الله أو السُنة الشريفة فإننا لا نقبله لأننا لا نؤمن بعصمة كتاب الكافي ولا يستطيع أحد ان يلزمنا بكل ما ورد في الكافي مثلاً لأننا لا نؤمن بصحة كل ما ورد فيه من روايات.

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور