أسرار الوضوء


المسألة:

ما هي فلسفة وحكمة الوضوء غسلا ومسحا؟

الجواب:

هذه بعض الرِّوايات الواردة عن أهل البيت (ع) تكشف عن بعض أسرار الوضوء:

1- عن الفضل بن شاذان، عن الرضا (عليه السلام) (حديث العلل): إنما وجب الوضوء على الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين لأن العبد إذا قام بين يدي الجبار فإنما ينكشف من جوارحه، ويظهر ما وجب فيه الوضوء، وذلك أنه بوجهه (يستقبل) ويسجد ويخضع، وبيده يسأل، ويرغب ويرهب ويتبتل، وبرأسه يستقبله في ركوعه وسجوده، وبرجليه يقوم ويقعد.

وإنما وجب الغسل على الوجه واليدين، والمسح على الرأس والرجلين، ولم يجعل غسلا كله ولا مسحا كله لعلل شتى:

منها: أن العبادة العظمى إنما هي الركوع والسجود، وإنما يكون الركوع والسجود بالوجه واليدين، لا بالرأس والرجلين.

ومنها: أن الخلق لا يطيقون في كل وقت غسل الرأس والرجلين، ويشتد ذلك عليهم في البرد والسفر والمرض و الليل والنهار، وغسل الوجه واليدين أخف من غسل الرأس والرجلين، وإنما وضعت الفرائض على قدر أقل الناس طاقة من أهل الصحة، ثم عم فيها القوي والضعيف.

ومنها: أن الرأس والرجلين ليس هما في كل وقت باديان وظاهران، كالوجه واليدين، لموضع العمامة والخفين وغير ذلك.

2- وفي (العلل) و(عيون الأخبار) أيضا بإسناده عن محمد بن سنان، عن الرضا (عليه السلام) في جواب مسائله -: وعلة الوضوء التي من أجلها وجب غسل الوجه والذراعين ومسح الرأس والرجلين فلقيامه بين يدي الله عزوجل، واستقباله إياه بجوارحه الظاهر، وملاقاته بها الكرام الكاتبين، فيغسل الوجه للسجود والخضوع، ويغسل اليدين ليقلبهما، ويرغب بهما ويرهب ويتبتل، ومسح الرأس والقدمين لأنهما ظاهران مكشوفان يستقبل بهما في كل حالاته وليس فيهما من الخضوع والتبتل ما في الوجه والذراعين.

3- وفي (العلل) بإسناده قال: جاء نفر من اليهود إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسألوه عن مسائل وكان فيما سألوه: أخبرنا يا محمد، لأي علة توضأ هذه الجوارح الأربع وهي أنظف المواضع في الجسد؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله): لما أن وسوس الشيطان إلى آدم (عليه السلام) دنا من الشجرة فنظر إليها فذهب ماء وجهه، ثم قام ومشى إليها وهي أول قدم مشت إلى الخطيئة، ثم تناول بيده منها ما عليها وأكل فتطاير الحلي والحلل عن جسده فوضع آدم يده على ام رأسه وبكى، فلما تاب الله عليه فرض (الله) عليه وعلى ذريته تطهير هذه الجوارح الأربع (فأمره الله عز وجل) بغسل الوجه لما نظر إلى الشجرة وأمره بغسل اليدين إلى المرفقين لما تناول بهما، وأمره بمسح الرأس لما وضع يده على ام رأسه وأمره بمسح القدمين لما مشى بهما إلى الخطيئة.

ورواه في (الفقيه) كذلك وكذا الذي قبله.

4- ورواه في (المجالس) بالإسناد المشار إليه وزاد: قال: ثم سن على امتي المضمضة لينقي القلب من الحرام، والإستنشاق لتحرم عليه رائحة النار ونتنها، قال (اليهودي: صدقت) يا محمد، فما جزاء عاملها؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله): أول ما يمس الماء يتباعد عنه الشيطان، فإذا تمضمض نور الله قلبه ولسانه بالحكمة، وإذا استنشق آمنه الله من النار ورزقه رائحة الجنة، وإذا غسل وجهه بيض الله وجهه يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، فإذا غسل ساعديه حرم الله عليه أغلال، النار، وإذا مسح رأسه مسح الله عنه سيئاته، وإذا مسح قدميه أجازه على الصراط يوم تزل فيه الأقدام.

ورواه في (العلل) عن محمد بن موسى بن المتوكل، عن السعد آبادي، عن أحمد ابن أبي عبد الله، عن أبيه، عن فضالة، عن الحسين بن أبي العلاء، عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله إلى قوله: مشى بهما إلى الخطيئة.

ورواه البرقي في (المحاسن) بهذا السند.

5- عن محمد بن قيس قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يحدث الناس بمكة في حديث أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال للثقفي قبل أن يسأله: أما أنك جئت أن تسألني عن وضوئك، وصلاتك، ومالك فيهما؟ فاعلم أنك إذا ضربت يدك في الماء وقلت: بسم الله الرحمن الرحيم تناثرت الذنوب التي اكتسبتها يداك، فإذا غسلت وجهك تناثرت الذنوب التي اكتسبتها عيناك بنظرهما، وفوك بلفظه، فإذا غسلت ذراعيك تناثرت الذنوب عن يمينك وشمالك فإذا مسحت رأسك وقدميك تناثرت الذنوب التي مشيت إليها على قدميك، فهذا لك في وضوئك فإذا اقمت إلى الصلاة وتوجهت وقرأت أم الكتاب، وما تيسر لك من السور ثم ركعت فأتممت ركوعها، وسجودها، وتشهدت، وسلمت، غفر لك كل ذنب فيما بينك وبين الصلاة التي قدمتها إلى الصلاة المؤخرة، فهذا لك في صلاتك.

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صقور