مما استدل به على حرمة الاضرار


المسألة:

في مقام الاستدلال على حرمة الإضرار بالنفس مطلقا، استدل البعض بالروايات الدالة على سقوط بعض الواجبات عند إيجابها الضرر كسقوط الوضوء عند إضرار الماء بالبدن والصوم كذلك وهكذا، ولاحظ بعض العلماء على هذا الدليل أن هذه الروايات إذا كانت دالة على مجرد سقوط الوجوب فلا يمكن الاستدلال بها لأن عدم الوجوب لا يدل على حرمة الفعل، نعم لو كانت دالة على حرمة الوضوء أو الصوم مثلا مع أنها من الواجبات، يمكن حينئذ الاستدلال بها، ثم ذكر صحيحة الوليد بن صبيح الواردة في الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج ، عن الوليد بن صبيح قال: حممت بالمدينة يوما في شهر رمضان فبعث إلي أبو عبد الله (ع) بقصعة فيها خل وزيت وقال: أفطر وصل وأنت قاعد" والرواية صحيحة السند. فقال: لو تمت دلالة هذه الرواية على لزوم الإفطار وأنه ظاهر في الوجوب أمكن الاستدلال بالرواية على حرمة الإضرار بالنفس مطلقا، لأنه إذا حرم الواجب لكونه مضرا فمن باب أولى يحرم غير الواجب، لكن بما أن الرواية جاءت في مقام توهم الحظر فلا يستفاد من الأمر أكثر من الإباحة.

 

أقول: الذي يظهر أنه حتى لو تمت دلالة الرواية على الوجوب فلا يمكن الاستدلال بها، وذلك لأن أمر الإمام حينئذ يكون من باب بيان الوظيفة الشرعية، أي يريد أن يقول إن صومه هذا ليس بواجب شرعا وليس هو المطلوب شرعا، فحتى لو صامه فإنه لم يؤد الواجب، وعليه أن يصوم يوما آخر، أي من باب بيان الحرمة التشريعية، وليس في مقام بيان حرمة الفعل في نفسه لكونه مضرا، فماذا تقولون؟


الجواب:

نعم لا يصح الاستدلال بالرواية على حرمة الاضرار بالنفس وذلك لأنَّ الأمر بالإفطار واقع في سياق توهُّم الحظر، فلا يكون ظاهراً في الإيجاب.

 

ومع التسليم جدلاً بظهور الأمر بالأفطار في الوجوب فإنه لا يتعيَّن من ذلك استظهار أن ملاك الإيجاب للإفطار هو حرمة الاضرار بالنفس فإنَّ ذلك وإنْ كان محتملاً إلا أنَّ ثمة احتمالاً آخر من إيجاب الافطار وهو الحرمة التشريعية للصوم في فرض اقتضائه للاضرار بمعنى ان الصوم بقصد الأمر في ظرف الاضرار تشريع عملي وهو محرَّم لذلك جاء الأمر بالإفطار.

 

وبتعبير آخر إن حرمة الإمساك عن الطعام في فرض الإضرار هي أصل الدعوى والاستدلال عليها بالأمر بالإفطار لا يتم، لأنَّ الأمر بالإفطار كما يُحتمل نشوؤه عن حرمة الإمساك الضرري يُحتمل أن يكون ناشئاً عن حرمة الإمساك بقصد الصوم العبادي والحال أن الصوم ليس مطلوباً في هذا الفرض فيكون النهي المستفاد من الأمر بالإفطار نهي عن الصوم بقصد الأمر وليس نهياً عن الإمساك الضرري والذي هو محل البحث.

 

على أنَّ ثمة احتمال ثالث من الأمر بالإفطار بعد التسليم بظهوره في الإيجاب وهو أنَّ الشارع إنَّما حرم الصَّوم الموجب للضرر حتى لا يتوهم الناس استناد الإضرار للشارع.

 

فالتحريم إنما هو بملاك تنزيه الشارع عن شبهة إيقاعه للناس في الضرر، وهذا لا يدل على حرمة الأفعال الضررية التي لا يُوجب ارتكابها توهُّم الاستناد للشارع كما لو سافر المكلف سفراً ضررياً للنزهة. أو تناول المضر من الطعام فإنَّ مثل هذا الفعل لا يترتب على ارتكابه توهُّم استناد الإضرار للشارع.

 

وعليه فالرواية لو سلمنا بدلالة الأمر فيها على حرمة الإضرار فإن أقصى ما تدلُّ عليه هو حرمة كلِّ فعلٍ ضرري يترتب على إباحته توهُّم استناد الإضرار للشارع فتكون الرواية غير ظاهرة في حرمة مطلق الإضرار بالنفس وتتمحض دلالتها في خصوص حرمة مثل الصوم الضرري والوضوء الضرري والحج الضرري.

 

وهناك احتمال رابع بعد التسليم بظهور الأمر في وجوب الإفطار وهو أنَّ الأمر بالإفطار وحرمة الصوم إنما نشأ عن أن الحمَّى التي أصابت الوليد بن صبيح مقتضية لموته في ظرف صومه فيكون الصوم إيقاعاً للنفس في التهلكة أو يكون الصوم مقتضياً للجنابة على النفس ولا ريب في حرمة ذلك، وليس في الرواية اطلاق يقتضي استظهار أنَّ حرمة الصوم كان لمجرَّد ترتب الضرر حتى لو لم يكن بالغاً حدَّ التهلكة أو بالغاً مرتبة الجناية على النفس.

 

وعليه يكون مفاد الرواية أخصَّ من المدَّعى وهو حرمة مطلق الاضرار بالنفس.

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور