المدار في تحديد الدرهم والدينار


المسألة:

أجبتم حفظكم الله في مقدار مهر السنة بما يلي:

"ومنها: ما رواه الكافي بسنده عن عبيد بن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: "مَهَرَ رسول الله (ص) نسائه اثنتي عشرة أوقية ونشاً، والأوقية أربعون درهماً والنش نصف الأوقية وهو عشرون درهماً".

فالمجموع خمسمائة درهم. وأما مقدار الدرهم فهو 2.4 غرام × 500 = 1200 غرام فضة".

والسؤال أنه قد افاد بعض الفضلاء بانه مما لابد من النظر فيه أيضا قيمة السكة فالدرهم المسكوك قيمته بلاشك أكبر من قيمة ما يعادل وزنه من الفضة الخالصة، فما هو تعليقكم على ذلك واذا كانت قيمة سكة الدراهم معتبرة في مقدار المهر فكيف يمكن حساب قيمة السكة في عصرنا؟ هل قيمة السكة معادلة لقيمة الصياغة أم هي اقل؟

الجواب:

ليس للسكَّة اعتبار في تقدير الدرهم والدينار الشرعيين، والاعتبار متمحِّض في الوزن، وعلى ذلك إجماع المسلمين كما أفاد صاحب الجواهر قال: "وكيف كان فالدرهم ستّة دوانق والدانق ثمان حبَّات من أواسط حبَّ الشعير في العِظم والصِغر والرزانة والخفَّة بلا خلاف أجده في شيء من ذلك بل ظاهر المنتهى في الفطرة الإجماع على الأوَّل بل عن ظاهر الخلاف إجماع الأمَّة عليه، نحو ما في المدارك من أنَّه نقله الخاصَّة والعامَّة ونصّ عليه جماعة من أهل اللغة، وفي المفاتيح أنَّه كذلك باتِّفاق الخاصَّة والعامَّ ونصّ أهل اللغة"(1).

فتحديد الدرهم بالوزن داخل في معقد الإجماع كما هو ظاهر عبارة صاحب الجواهر وكذلك غيره. ويمكن أن يُستأنس ذلك أيضًا بالروايات الواردة في تحديد الدرهم والدينار.

منها: ما روي عن أبي الحسن (ع) إنَّ الدرهم ستّة دوانق، والدانق وزن ستّ حبَّات، والحبَّة وزن حبَّتين شعيرًا من أواسط الحبِّ لا من صغاره ولا من كباره.

وقد رمى صاحب الجواهر هذه الرواية بالشذوذ إلا أنَّ منشأ وصفها بالشذوذ ليس هو تحديدها الدرهم بالوزن وإنَّما هو باعتبار ما أفادته من أنَّ الحبَّة تساوي حبَّتين من الشعير خلافًا لما عليه الإجماع.

ومنها: ما رواه الكليني بسنده عن حبيب الخثعمي قال: كتب أبو جعفر المنصور إلى محمَّد بن خالد وكان عامله على المدينة أن يسأل أهل المدينة عن الخمسة في الزكاة من المائتين كيف صارت وزن سبعة ولم يكن هذا على عهد رسول الله (ص) وأمره أن يسأل فيمن يسأل عبد الله بن الحسن وجعفر بن محمَّد (ع) .. قال فقال ما تقول يا أبا عبد الله؟ فقال: إنَّ رسول الله (ص) جعل في كلِّّ أربعين أوقيّة أوقيَّة فإذا حسبت ذلك كان على وزن سبعة، وقد كانت على وزن ستَّة وكانت الدراهم خمسة دوانيق، قال حبيب: فحسبناه فوجدناه كما قال ..).

الواضح من الرواية أنَّ المدار على الوزن ولا عبرة بشيء آخر.

ومنها: دعائم الإسلام عن علي (ع) أنَّه قال: "ما نكح رسول الله (ص) من نسائه إلا على اثنتي عشرة أوقيّة ونصف الأوقيَّة من فضّة، وعلى ذلك أنكحني فاطمة فالأوقيَّة أربعون درهمًا، قال جعفر بن محمَّد (ع) وكانت الدراهم يومئذٍ وزن ستَّة.

ومنها: ما رواه الكافي بسنده عن أبي عبد الله (ع) سمعته يقول: قال أبي: ما زوَّج رسول الله ساير بناته ولا تزوّج شيئًا من نسائه على أكثر من اثنتي عشر أوقيّة ونش والأوقيّة أربعون درهمًا، وروى حمَّاد عن ابراهيم بن أبي عيسى عن أبي عبد الله (ع): قال: وكانت الدراهم وزن ستّة يومئذٍ.

ومنها: ما في الوسائل: قال: الشهيد في الذكرى المعتبر من الدنانير المثقال وهو لم يختلف في الإسلام ولا قبله، وفي الدرهم ما استقرَّ عليه في زمن بني أميَّة بإشارة زين العابدين (ع) بضمِّ الدرهم البغلي إلى الطيري وقسمتها نصفين فصار الدرهم ستّة دوانيق عشر سبعة مثاقيل ولا عبرة بالعدد في ذلك، انتهى، ونحوه كلام العلامة وغيره، وذكر بعض المحققين أنّه كان في زمان المنصور وزن المائتين موافقًا لوزن مائتين وثمانين في زمان الرسول (ص) فيكون المخرج منها خمسة على وزن سبعة، وقبل زمان المنصور كان وزن المائتين موافقًا لوزن مائتين وأربعين فيكون المخرج خمسة على وزن ستًَّة والمخرج هو ربع العشر فلا تفاوت، والذهاب يعتبر بما كان في زمانه (ع)(2).

هذه مجموعة من النصوص وثمَّة نصوص أخرى يقف عليها المتتبع، وكلها ظاهرة بأنَّ السكَّة ليست معتبرة في حساب الدرهم والدينار وأنَّ ما يحدد قيمة الدينار والدرهم هو الوزن من الذهب والفضّة، نعم يعتبر في مثل الزكاة أن يكون الذهب والفضَّة مسكوكين بسكّة المعاملة، وهذا لا يقتضي أن تكون لسكَّه المعاملة دخل في تحديد قيمة الدينار والدرهم.

نعم يحتمل أن يكون التحديد بالوزن قد روعي فيه الجهد المبذول في الصياغة فيكون تحديد الدرهم بستّة دوانيق والدانق ثمان حبَّات من الشعير قد لوحظ فيه ما سيُبذل من جهد في صياغة الدرهم.

وعلى كلا التقديرين يكون الدرهم ستَّة دوانيق من الفضَّة أي ما يساوي 2.4 غرام من الفضّة وهكذا الحال بالنسبة لما هو المناط في تقدير الدينار.

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

 

1- كتاب الجواهر ج15/174

2- كتاب الوسائل ج19/149.