معنى الأمن من ترتب المفسدة وضابطة حرمة المقدمة


المسألة:

1- السؤال: ما حكم استعمال الستلايت في البيوت؟

الفتوى: لا يجوز اقتناؤها لمن لا يأمن من انجرار نفسه أو بعض أهله إلى استخدامها في الحرام .

2- السؤال: ما هو الحكم بالنسبة لشراء الثياب الداخلية من ألبسة نسائية من محل لربما يكون البائع فيه رجلاً؟

الفتوى: إذا أمن الوقوع في الحرام وكذا الانجرار إليه فلا مانع ، والأولى تجنب المؤمنات من ذلك، فهو من مكائد الشيطان.

3- السؤال: هل يجوز إقامة علاقة أخوة بين شاب وبنت في إطار الاحترام والأخلاق، وعدم تجاوز الحدود الشرعية في هذه العلاقة؟ وهل يجوز محادثتها صوتيا ً بالسلام والتحية فقط؟

الفتوى: لايجوز مطلقاً، لعدم الامن من الوقوع في الحرام، ولو بالانجرار إليه شيئاً فشيئاً.

4- السؤال: هل يجوز الدراسة في المدارس التي قد تشتمل على مواضيع منافية لعقيدتنا؟ وهل يجوز الغش فيها؟

الفتوى: لا مانع من الدراسة مع الامن من الضلال، ولا يجوز الغش.

5- السؤال: هل يجوز الصلاة خلف امامي مجاملة ثم إعادتها؟

الفتوى: يجوز إذا لم تترتب عليه مفسدة كاغراء الجاهل بعدالة الامام أو صحة قراءته .

6- السؤال: ما رأيكم بالنسبة لانتخابات مجلس الشورى، هل يجوز انتخاب الشيعي الغير ملتزم دون السني الملتزم أفتونا مأجورين.

الفتوى: هذا أمر يرجع الى مصالح المؤمنين هناك ولابد في ذلك من مراجعة اهل العلم والصلاح من اهل البلد.

سماحة الشيخ محمد صنقور المحترم

أمامك مجموعة من الإستفتاءات الموجهة الى مكتب آية الله السيد السيستاني (حفظه الله) ونريد منكم إيضاح عدة جوانب:

من رقم واحد، نفهم أن الدش يجوز شراؤه للمتقين فقط، فهل هذا صحيح؟

ما معنى الأمن من ترتب المفسدة؟ وما هو نوع المفسدة المرادة في هذه الفتاوى؟ قد يقول قائل أننا نمارس أشياء كثيرة في الحياة ولا نأمن من وقوع الخطر فيها، مثل سياقة السيارة .. فهل ينطبق عليها عدم الأمن من ترتب المفسدة؟

من الذي يشخص (وجود المفسدة أو المصلحة) في الموضوع الفردي الشخصي، وفي المشروع الإجتماعي وخصوصا عندما يختلف الناس في التشخيص؟

من عادة المراجع وكذا السيد السيستاني (حفظه الله) إيكال تشخيص الموضوع إلى المكلف، (فيقول: إذا لم يأمن من ترتب المفسدة فكذا)، ولكننا نرى في بعض الأحيان كما في رقم 3 هنا، يقوم المرجع بتشخيص الموضوع (فيقول: لا يجوز لعدم الأمن من ترتب المفسدة) فلماذا؟

أليس الفتاوى أعلاه تناسب الإعتماد على مبنى (سد الذرائع)، الذي هو غير مقبول عندنا.

الجواب:

1- مفاد الفتوى المذكورة هو أن جواز الاقتناء منوط بإحراز عدم الوقوع في الاستخدام المحرَّم ولو في مستقبل الأيام، وعليه لو احتمل المكلَّف احتمالاً معتداً به أنه قد يترتب على الاقتناء الانجرار إلى الاستخدام المحرَّم فإنَّ هذا الاحتمال كافٍ في تحقُّق موضوع الحرمة للاقتناء.

فاحتمال الوقوع في الاستخدام المحرَّم هو موضوع الحرمة، والقطع أو الاطمئنان بعدم الاستخدام المحرَّم هو موضوع الجواز.

ولعل منشأ الحرمة للاقتناء ولو مع احتمال ترتب الانجرار إلى الحرام دون الاطمئنان بوقوع ذلك هو ما أفاده الفقهاء ومنهم السيد الخوئي من أن ثمةَ محرَّمات عُلم من الشارع مبغوضية وقوعها في الخارج مطلقاً مما يترتب على ذلك لزوم سدّ ِكل طريق قد يُفضي لوقوعها خارجاً، وذلك مثل قتل النفس المحترمة أو الزنا أو اللواط أو شرب الخمر أو غيرها من العظائم التي نعلم بمبغوضية الشارع لوقوعها في الخارج مطلقاً.

فمثل هذه المحرمات يجب على المكلفين قطع كلِّ سبيل لوقوعها منهم أو من غيرهم، فكلُّ فعل لا نأمن معه من ترتُّب وقوع واحدٍ من هذه المحرَّمات يكون محرَّماً لأن ارتكابه ينافي التكليف بلزوم سدِّ الطريق المفضي لوقوع تلك المحرمات.

ولمَّا كان استخدام الستلايت من الأفعال التي قد تُفضي لوقوع الزنا أو اللواط أو المساحقة من المكلف أو مِن أهله لذلك لزم اجتنابه سدَّاً لبابٍ قد يُفضي لوقوع مثل هذه المحرمات، وهذا بخلاف ما لو اطمئن المكلَّف بعدم الوقوع في مثل هذه المحرمات أو في الاستخدام المحرم.

2- المراد من المفسدة هو كل أمرٍ ثبت أنه مبغوض للشارع، أما لأنه محرم شرعاً أو لأنه قبيح عقلاً، ومقصودنا من القبح العقلي هو ما أدرك العقل القطعي لقبحه، فكلُّ أمر كان مبغوضاً للشارع فإن الأفعال التي يترتب عليها الوقوع فيه يقيناً أو اطمئناناً تكون محرمةً أيضاً.

بمعنى أنه يترشَّح من مبغوضية كلِّ فعلٍ مبغوضيةُ الأفعال الموصِلة إليه يقيناً أو اطمئناناً وهذه الأفعال يعبِّر عنها بمقدمات الحرام.

وأما الأفعال التي قد يترتب عليها الوقوع في الحرام وقد لا يترتب فحرمتها من عدمها منوط بنوع الحرام فإن كان من المحرَّمات التي عُلم من الشارع أنه لايرضى بوقوعها في الخارج مطلقاً فالأفعال التي قد تُفضي احتمالاً للوقوع في مثل هذه المحرمات تكون محرمة لأن المطلوب في المحرمات المشار اليها هو سدُّ كل طريق قد يفضي اليها.

فالزنا مثلاً من المحرمات التي عُلم مبغوضية وقوعها في الخارج مطلقاً، ولذلك فكلُّ فعل يُحتمل انتهاؤه إليه يكون محرَّماً لأن ممارسته تُنافي التكليف بلزوم قطع كلِّ طريق قد يؤدي إلى وقوع الزنا.

فلو مكَّن المكلَّف أحد الفاسقين أو ضعيفي الإيمان من مصاحبة امرأة ضعيفة إلى موضعٍ وكان لايأمن من وقوع الزنا بينهما فإنَّ تمكينه منها يكون محرماً.

وهكذا لو مكَّن المكلَف أحد المجانين من سكين مثلاً وكان يَحتمل أن يترتب على ذلك قتل نفسٍ محترمة فإن تمكينه من السكين يكون محرماً، وذلك لأن قتل النفس المحترمة من المحرَّمات التي لا يرضى الشارع بوقوعها في الخارج مطلقاً وذلك ما يستوجب قطع الطريق على كل فعل قد ينتهي إلى وقوع هذا المحرَّم.

وهذا بخلاف المحرمات التي لا نعلم بمبغوضية وقوعها في الخارج مطلقاً كا إغراء الجاهل بعدالة الإمام فإن حرمتها لا ترقى لمستوى العلم بمبغوضية وقوعه في الخارج مطلقاً.

ولذلك فالمحرم هو كل مقدمة تُفضي قطعاً للوقوع في إغراء الجاهل بالعدالة وأما لو لم تكن المقدمة قطعية الإنتاج للوقوع في ذلك فإنها لا تكون محرمة لذلك افاد السيد في الاستفتاء الخامس بجواز الصلاة متابعةً خلف الفاسق إذا لم يترتب عليه إغراء الجاهل أي إذا لم تكن الصلاة متابعةً موجبةٌ يقيناً أو اطمئناناً لإغراء الجاهل، أما لو كانت الصلاة متابعةً تُوجب احتمال إغراء الجاهل فإنه لا يكون محرماً.

وهذا بخلاف فتواه في المسألة الرابعة فإنه أناط جواز الدراسة في المدارس التي تُدرِّس ما ينافي العقيدة الصحيحة أناط الجواز بالأَمن من الضلال بمعنى أن المكلَّف لو كان يحتمل الوقوع في الضلال إذا درس في مثل هذه المدارس فإن الدراسة في مثل هذه المدارس كون محرمة.

فلأن الوقوع في الضلال من الأمور المبغوضة للشارع مطلقاً لذلك وجب اجتناب كل فعل قد ينتهي إلى الوقوع فيه.

3- اتضح مما تقدم أن الأفعال التي يلزم اجتنابها إذا كان يْحتمل ترتب المفسدة على ارتكابها هي الأفعال التي قد تْقضي للوقوع في المفاسد والمحرَّمات التي عُلم من الشارع مبغوضية وقوعها في الخارج مطلقاً ولو عن جهل أو عن غير اختيار أو كان وقوعها من غير المكلَّف نفسه كما لو كان الفعل موجباً لاحتمال وقوع الزنا أو القتل من مكلَّف آخر أو من غير مكلّفٍ كالمجنون والصبي.

وأما المحرمات والمفاسد التي لا ترقى للمستوى المذكور فإن الأفعال التي يُحتمل أن يترتب عليها وقوع تلك المحرمات أو المفاسد لاتكون محرمة، نعم تكون محرمة، مع القطع أو الاطمئنان بترتُّب الحرام عليها.

4- المفسدة بمعنى المبغوضية والحرمة تحديدها من وظائف الفقيه، فليس لغيره تشخيص ذلك، وهكذا الحال بالنسبة لتحديد مواردها كلياً وأما تنقيح صغرياتها بعد اتضاح الحكم الكلِّي بتمام حيثياته فذلك من شئون المكلف ولو وقع الاختلاف في تشخيص الموارد الجزئية فالمرجع هو الفقيه، لأن الاختلاف في تشخيص الموارد غالباً ما ينشأ عن الجهل أو الغفلة عن حيثيات الحكم الكلي.

5- تارةً لا يكون تشخيص الموضوع مختلِفاً باختلاف الظروف والحيثيَّات، لذلك يتصدى الفقيه لتطبيق الحكم الكلي على موضوعه الخارجي كما في المثال المذكور.

وتارة يختلف الموضوع باختلاف الحيثيات والظروف فلا يكون للفقيه سبيل للتحرِّي من انطباق الحكم الكلي على الموضوع المسئول عن حكمه لذلك يصوغ الفتوى على نهج القضية الشرطية.

6- سد الذرايع بنظر علماء السنة يقتضي حرمة مقدمات الحرام مطلقاً أما بحسب المبنى الذي ذكرناه فهو أن مقدمات الحرام إنما تكون محرمة في موردين:

الأوَّل: أن تكون المقدمة توليدية أي تنتج الوقوع في ذي المقدمة قطعاً.

المورد الثاني: أن تكون المقدمة مفضية احتمالاً للوقوع في المحرمات التي عُلم من الشارع عدم رضاه بوقوعها خارجاً مطلقاً.