الوجه في وجوب غسل الكسوف


المسألة:

ما هو دليل القائلين بوجوب الغسل مضافاً إلى القضاء على من تعمَّد ترك صلاة الخسوف والكسوف الكليين؟


الجواب:

استدل للقول بوجوب الغسل على من تعمد ترك صلاة الكسوف والخسوف الكليين بعددٍ من الروايات:

 

منها: معتبرة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال: ".. وغسل الكسوف، إذا احترق القرص كله فاستيقظت ولم تصلِّ فعليك أن تغتسل وتقضي الصلاة"(1).

 

ومنها: معتبرة حريز عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال: ".. وغسل الكسوف إذا احترق القرص كله فاغتسل"(2).

 

والأمر كما هو المعروف ظاهر في الوجوب، وورد الأمر بالغسل في سياق الأمر بأغسالٍ ثبت استحبابها لا يضرُّ بظهور الأمر في الوجوب بعد أن كان ثبوت الاستحباب لتلك الأغسال نشأ عن قيام قرينة مفقودة في الأمر بغُسل الكسوف، على أن في عداد الأغسال المذكورة في الروايتين ما ثبت وجوبه كغسل مسِّ الميت وغسل الجنابة.

 

نعم أورد السيد الخوئي (رحمه الله) على الاستدلال بالروايتين على الوجوب بدعوى أن المسألة من المسائل التي يكثر الابتلاء بها، فلو كان الغسل واجباً كما هو القضاء لعُرف واشتهر كما هو مقتضى طبيعة هذه المسائل، فإن الحكم فيها يكون ظاهراً مشتهراً.

 

وعليه فإنَّ عدم اشتهار الحكم بوجوب الغسل رغم أن المسألة مما يكثر الإبتلاء بها يُعدُّ قرينة على عدم إرادة الوجوب من الأمر بغسل الكسوف الوارد في المعتبرتين، ويتعزز البناء على عدم إرادة الوجوب من الأمر باشتهار القول بالاستحباب وعدم الوجوب بين الفقهاء.

 

والظاهر أنَّ ما أفاده (رحمه الله تعالى) ليس تاماً، فإنَّ هذه المسألة ليست من المسائل التي يكثر الابتلاء بها بمستوىً يكون من مقتضى طبعها اشتهار حكمها، فإن الكسوف والخسوف وإنْ كانا مما يكثر الإبتلاء بهما إلا أنَّ أكثر ما يتفق وقوعه لهما هو الاحتراق الجزئي للقرص، وأما الاحتراق الكلي للقرص فهو لا يتفق وقوعه كثيراً ثم إنَّ وقوعه للقمر قد لا يتفق العلم به للكثير في تلك الأزمان، فهم ينامون أكثر الليل والاحتراق يبدأ جزئياً وقد لا يمكث طويلاً عند تمام الاحتراق ثم يعود فيبدو احتراقه جزئياً، على أنّ دعوى اشتهار الحكم بالاستحباب وإن كانت تامة بين المتأخرين إلا أنها ليست كذلك بين المتقدمين فقد ذهب إلى القول بالوجوب من المتقدمين السيد مرتضى في المسائل المصرية الثالثة وأبو الصلاح وسلار والشيخ الطوسي في النهاية كما أفاد ذلك صاحب الحدائق رحمه الله(3).

 

وأفاد المحقق النراقي في المستند أنه ذهب إلى الوجوب "السيد في مسائله المصرية وجمله وشرح القاضي له مدعياً الإجماع وصلاة المقنعة والمراسم وظاهر الهداية والخلاف والكافي وصلاة الاقتصاد والجمل .."(4).

 

وعليه فالشهرة بعدم الوجوب بين المتقدمين ليست ثابتة بل لا يبعد اشتهار الوجوب بينهم كما يشُعر به دعوى القاضي للإجماع.

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

 

1- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 3 ص 305.

2- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 3 ص 307.

3- الحدائق الناضرة ج4/208.

4- مستند الشيعة ج3/338