الشك في اتصاف السمك بذوات الفلس


المسألة:

يقول أحد العلماء ما نصه: وأما انه اذا شك في فلسية الموجود يبنى على الحلية فلان مرجع الشك المذكور الى الشك في سعة الحرمة و شمولها لمثل الحيوان المذكور فيبنى على البراءة" في كتاب الأطعمة والأشربة.

 

والسؤال: لماذا بنى على الحلية، مع أن وجود الفلس شرط وجودي -للحلية- غير محرز في المقام، كما هو الظاهر من مثل صحيحة، محمد بن مسلم " كل ما له قشر من السمك، وما ليس له قشر فلا تأكله" ثم ألا يمكن أن نجري أصالة عدم الفلسية؟ إلا أن يقال أن استصحاب عدم فلسية الموجود لازمه العقلي عدم كون السمكة ذات فلس وهو من الأصل المثبت، فلنجر إذن أصالة عدم كون السمك ذا فلس، فهي عندما كانت في البيضة أو نطفة مثلا قطعا لم تكن ذات فلس والآن شك في ذلك بعد وجود مشكوك الفلسية، والأصل العدم؟


الجواب:

الشك في فلسيَّة الموجود معناه الشك في أنَّ هذا السمك هل هو من ذوات الفلس أو لا، والأصل الجاري في المقام هو استصحاب عدم اتصاف السمك بأنَّه من ذوات الفلس الثابت من الأزل حين لم يَكن هذا السمك في حيِّز الوجود، وهذا الاستصحاب هو المعبَّر عنه باستصحاب العدم الأزلي أي حينما لم يكن هذا السمك في حيِّز الوجود فاتصافه بأنَّه من ذوات الفلس منتفٍ أيضاً وبعد أن أُحرز وجود السمك بالوجدان يقع الشك في اتِّصافه بالفلسيَّة فيُستصحب العدم المُحرَز قبل وجود السمك.

 

فالمقام أشبه شيء بالشك في قَرشيَّة المرأة فإنَّ المرأة حينما كانت في حيِّز العدم لم تكن قرشية وبعد أن أُحرز وجودها بالوجدان يقع الشك في قرشيتها فيُستصحب العدم المُحرَز قبل وجود المرأة.

 

فإذا كان استصحاب عدم كون السمك من ذوات الفلس جاريا في المقام فإنَّ أصل البراءة لا يجري، لأنَّ استصحاب العدم أصل موضوعي أي أنه ينفي موضوع البراءة فيكون حاكماً عليه، فموضوع البراءة هو الشك في الحرمة، ولا شك بعد احراز أنَّ هذا السمك ليس من ذوات الفلس بواسطة استصحاب العدم.

 

نعم لا يجري في المقام استصحاب العدم النعتي فإنَّ السمكة بعد أن تُصبح في حيٍّز الوجود فهي إما أن تكون من ذوات الفلس أو تكون من غير ذوات الفلس، فليس ثمة زمان تكون فيه السمكة ليست من ذوات الفلس وليست من غير ذوات الفلس، ولذلك لا يصح أن يُقال إنَّ السمكة حينما كانت في البيضة لم تكن من ذوات الفلس فنستصحب العدم بعد الشك، فهي إن لم تكن في البيضة سمكة فاستصحاب عدم اتِّصافها بالفلسية كااستصحاب عدم الفلسية قبل صيرورتها في البيضة وإن كانت سمكة فهي إما أن تكون من ذوات الفلس أو تكون من غير ذوات الفلس.

 

فاستصحاب عدم الفلسية لا يتم إلا بنحو الاستصحاب العدم الأزلي.

 

فالمقام ليس من قبيل الشك في بلوغ زيد فإنَّ عدم البلوغ كان محرزاً بعد وجود زيد، لذلك كان اتصافه بعدم البلوغ من العدم النعتي الذي يكون استصحابه عند الشك في انتفاء هذا الوصف من استصحاب العدم النعتي.

 

وكيف كان فالأصل الجاري عند الشك في فلسيَّة الموجود على السمكة هو استصحاب عدم اتصاف السمكة بالفلسية وهو من استصحاب العدم الأزلي ولا يجري أصل البراءة لجريان أصل الاستصحاب في موضوعه، فاستصحاب العدم حاكم في المقام على أصل البراءة.

 

ولو بنينا على عدم جريان استصحاب العدم الأزلي فإن نتيجة ذلك هو عدم وجود ما يُوجب إحراز اتِّصاف هذا السمك بأنه من غير ذوات الفلس إلا أنَّ ذلك لا يُوجب البناء على حليته بعد أن كان المعتبر في حليته هو اتصافه بكونه من ذوات الفلس والفرض أن ذلك غير محرز.

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور