اللحوم في أسواق المسلمين والأثر التكويني


المسألة:

كيف يحل الله لنا اللحوم الموجودة في أسواق المسلمين وينهانا عن التأكد من تذكيتها حتى لو ساورنا الشك من جهة، ومن جهة أخرى لو تناولنا لحم غير مذكى حسب الشريعة جهلا يصيبنا بالآثار التكوينية السيئة للميتة؟ أليس هذا قبيحا عقلياً وظلماً من الله عز وجل وحاشا لوجهه الكريم أن يظلم؟


الجواب:

لو حكم الشارع بحرمة اللحوم غير المعلومة التذكية والموجودة في أسواق المسلمين لوقع الناس في المشقة، لأن أكثر الناس لا يتفق لهم الإطلاع على كيفية الذبح وهل هو وفق الضوابط الشرعية أو لا.

 

 فلو كان اللازم العلم بكون هذه اللحوم مذكاة لتعسَّر على الناس ذلك، لأن عليهم مشاهدة القصَّابين حين التذكية أو أنْ يشهد لهم على كلِّ ذبيحة عددٌ من العدول أنها قد ذُبحت وفق الضوابط الشرعية، وأما إخبار القصاب فهو واحد لا يُفيد إخباره العلم حتى ولو كان ثقة لأن قول الثقة إنما يُوجب الظن وليس العلم، على أن تحصيل الثقاة في القصَّابين غير متاحٍ دائماً ولو أُتيح فإنَّ اللحم لا يبقى في يد الذابح بل ينتقل إلى غير القصابين من المطاعم والمطابخ والمنازل وغيرها فلو أخبرك صاحب المطعم فهو يُخبرك عن بائع اللحم والبائع يخبرك عن القصاب فتكون وسائط عديدة وهو ما يمنع من حصول العلم.

 

ولهذا فاشتراط العلم بالتذكية نشأ عن موازنة الشارع بين التحفُّظ على التسهيل وعدم إيقاع المكلفين في المشقَّة والحرج وبين اتفاق وقوع بعضهم في أكل الميتة جهلاً، ولما كان ملاك التحفُّظ على التسهيل أهم بنظر الشارع لذلك حكم بالحلية رغم أنه قد يتفق من ذلك وقوع المكلَّف في محذور أكل الميتة.

 

فالحكم بالحلية نشأ عن تزاحم الملاكات المقتضي لاختيار الأهم ملاكاً على المهم، ويمكن التقريب لذلك بما لو علِقتْ يدُ طفلٍ في تحفةٍ ثمينة ولم يكن من الممكن إخراج يده منها إلا بكسرها، فهنا يقع التزاحم بين التحفُّظ على يد الطفل من التلف وبين التحفظ على التحفة وحيث أن ملاك الأول أهم لذلك يتعيَّن كسر التحفة حفاظاً على الملاك الأهم وهو التحفظ على يد الطفل.

 

فلا يقال إنَّ كسر التحفة ظلم لمالكها لأنَّ كسرها نشأ عن مبررٍ عقلائي وهي أهمية التحفُّظ على يد الطفل من التلف.

 

فالأمر في المقام قريب من هذا المثال، إذ لو حكمنا بوجوب تحصيل العلم بالتذكية لأوجب ذلك وقوع العباد في المشقة وعدم الوقوع في المشقة أهم ملاكاً من اتفاق الأكل للميتة في حالات محدودة.

 

ثم إنَّ المقصود من الآثار التكوينية المترتبة على أكل الميتة هي الضرر الجسدي وليس المقصود منها الحُجُب القلبية فإن ترتُّب ذلك غير محرز، والمحرز منه هو ما لو كان تناول الميتة نشأ عن علم وتهاون بالمعصية، وأما إذا كان المكلَّف معذوراً في أكل الميتة كما في حالات الجهل فإنَّ من غير المُحرَز ترتُّب هذا الأثر أعني الحجب القلبية.

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور