يثبت بالاصل عدم التذكية دون عنوان الميتة


المسألة:

أليس كون الحيوان ميتة بسبب عدم تذكية أمراً مأخوذاً من الشارع؟ فلماذا نقول إن الحكم على الحيوان بأنه ميتة لاستصحاب عدم التذكية من اللوازم العقلية غير الشرعية؟


الجواب:

عنوان الميتة وعنوان المذكَّى من العناوين المتقابلة تقابل التضاد، لانَّ كلاً منهما عنوان وجودي، وذلك لانَّ عنوان الميته معناه الموت وزهاق الروح استناداً إلى سببٍ غير شرعي، وعنوان المذكى معناه الموت وزهاق الروح استناداً إلى سببٍ شرعي.

 

فكلّ من العنوانين وجودي إلا انَّ أحدهما يستحيل اتحاده وجوداً مع الاَخر كما اتَّضح من التعريفين، كما انَّه يستحيل انتفاؤهما معاً عن الحيوان الميِّت، لذلك فالعنوانان من الضدين اللذين لا ثالث لهما، وحيث انَّهما كذلك صار انتفاءُ أحدهما ملازماً لوجود الآخر كما هو الشأن في كِّل ضدَّين لا ثالث لهما.

 

وعليه فلو تمَّ الاحراز لانتفاء عنوان المذكَّى عن حيوانٍ فإنَّ لازم ذلك انَّ هذا الحيوان ميتة إلا ان الادراك لكونه ميتة نشأ عن إدراك العقل للملازمة بين انتفاء أحد العنوانين المتضادين وثبوت الآخر، ولم ينشأ عن الجعل الشرعي، فالمجعول الشرعي هو انَّ الميتة -التى هي موضوع الحكم بالنجاسة- هي الحيوان الميِّت الذي استند موته لسببٍ غير شرعي أو قل هي التى استند موتها لغير التذكية الشرعية، فلو تمَّ الاحراز وجداناً انَّ هذا الحيوان لم يُذكَ فلم يتصدَ أحدٌ لذبحه على الوجه الشرعي، فإن المدلول المطابقى لهذا المُحرَز الوجداني هو عدم التذكية، وأمَّا انَّ هذا الحيوان ميتة فيثبت نتيجة انَّ لازم عدم التذكية هو استناد الموت لمرض أو غيره والذي هو عنوان وجودي، وحيث انَّ العلم بالشيء علم بلوازمه لذلك صار العلم بعدم التذكية علماً بثبوت عنوان الميتة لهذا الحيوان.

 

وكذلك لو قامت البينة أو أخبر الثقة -بناءً على حجَّية خبر الثقة في الموضوعات- بعدم تذكية هذا الحيوان فإنَّه يثبت بذلك لازمه وهو انَّ هذا الحيوان ميتة، لأن الإخبار بالشيء إخبارٌ بلوازمه، وهذا هو منشأ حجيَّة الامارة في مثبتاتها.

 

وأما لو ثبت انتفاء التذكية عن الحيوان بالأصل فإنَّ لازمه لايثبت بذلك، لانَّ التعبُّد بالملزوم ليس تعبَّداً باللازم إلا بناءً على القول بحجية الأصل المثبت.

 

وبتعبير آخر: أنَّ الاصل لا نظر له إلى الواقع بل هو محض وظيفة مجعولةٍ على المكلَّف في ظرف الجهل بالواقع، وهي تتحدد بحدود المقدار االمتعبد به ولا تتعداه، حتى إلى لازمه الواقعي.

 

فلو كان البناء هو الحكم على الحيوان بأنه ميتة لمجرَّد استصحاب عدم تذكيتة لكان ذلك من إثبات أحد الضدين بنفي الآخر، فعنوان الميتة وعنوان المذكَّى عنوانان وجوديان متضادان، لذلك كان لازم انتفاء آحدهما -وهو التذكية- ثبوت الآخر وهو عنوان الميتة، فاستصحاب عدم التذكية لايُثبت بنفسه عنوان الميتة وانما يثبته باعتباره لازماً له، فإذا كان الاستصحاب ليس حجَّةً في لوازم المُستصحب كان ذلك مقتضياً لعدم ثبوت انَّ هذا الحيوان من الميتة، لذلك لاتترتب أحكام الميتة على هذا الحيوان وهي النجاسة.

 

نعم يصح التمَّسك بالاستصحاب للبناء على حرمة الأكل وعدم صحة الصلاة، وذلك لانَّ موضوع هذين الحكمين هو عدم التذكية، وعدم التذكية هو ذات المُستصحب، وأما الحكم بالنجاسة فموضوعه الميتة الذي هو لازم المستصحب لذلك فهو لايثبت لانَّ المتعَّبد به هو ذات المستصحب دون لوازمه.

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور