أحوط الصيغ في عقد النكاح


المسألة:

ما هي أحوط الصيغ في عقد النكاح؟

الجواب:

يقع عقد النكاح بمثل قول المراة: (أنكحتك نفسي على مهرٍ قدره كذا) فيقول الرجل المُخاطَب بالإنشاء: (قبلتُ النكاح لنفسي على المهر المذكور) ويقع بمثل قول المرأة: (زوجتُك نفسي على مهرٍ أو بمهرٍ قدره كذا) فيقول الرجل: (قبلتُ التزويجَ لنفسي على المهر المذكور) وإذا كان ايجاب العقد بالوكالة عن المرأة فيقع بمثل قول الوكيل للرجل: (أنكحتُك موكلتي فلانة على مهر قدره كذا أو زوجتُك موكلتي فلانة بمهرٍ قدره كذا) فيقول الرجل: (قبلتُ لنفسي النكاح أو قبلت لنفسي التزويج على المهر المذكور)، وإذا كان القابل وكيل الرجل فيقول: (قبلتُ لموكلي النكاح من فلانة أو منكِ على المهر المذكور أو قبلتُ لموكلي النكاح من موكلتك) إذا كان المُوجب هو وكيل المرأة.

فهذه الصيغ وشبهها هي الأوفق بالاحتياط، وذلك لكون الايجاب فيها قد صيغ على نحو يكون فيها فعل الإنكاح متعدياً بنفسه لمفعوليه وكذلك هو فعل التزويج فإنَّه تعدى لمفعوليه بنفسه أي دون حرف من مثلاً، فلم تقل الزوجة أنكحتُك من نفسي بحيث يكون فعل الإنكاح متعدياً للمفعول الثاني بحرف من.

وكذلك لم يقل وكيلها للرجل زوجتُك من موكلتي بل قال زوجتك موكلتي أو زوجتُك فلانة، فكان فعل التزويج قد تعَّدى للمفعول الاول وهو المخاطب والمفعول الثاني وهو فلانه أو موكلتي بنفسه، هذا أولاً والمنشأ الثاني لاعتبار هذه الصيغ أوفق بالاحتياط هو جعل الزوج الاول والزوجة المفعول الثاني.

والوجه في ان اعتبار اشتمال الصيغ على هذين الامرين هو الاوفق بالحتياط هو انَّ تعدِّي فعل الانكاح والتزويج لمفعوليه بنفسه قد وقع في القرآن الكريم وكذلك تقديم الزوج وجعله مفعولاً أولاً والزوجة مفعولاً ثانياً.

قال تعالى على لسان شعيب مخاطباً موسى (ع): ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ﴾(1) فكلاً من مفعولي الإنكاح في الآية المباركة قد تعدَّى الفعل اليهما بنفسه وقد جُعل الزوج مفعولاً أولاً والزوجة وهي احدى ابنتى شعيب مفعولاً ثانياً.

وكذلك قال الله تعالى مخاطباً نبَّيه محمدًاً (ص): ﴿فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا﴾(2) فالمفعول الاول هو المخاطَب بكاف الخطاب والمفعول الثاني هو ضمير الغائب المتصل، وهي زوجة زيد، فقد تعدَّى فعل التزويج اليهما بنفسه فلم تقل الآية زوجناك منها أو زوجناها منك كما لم تقل الآية الاولى أُنكحك من أحدى ابنتي أو اُنكح احدى ابنتي منك.

فالإلتزام بما ورد في القرآن أوفق بالاحتياط إلا انَّ ذلك لا يقتضىي عدم صحة عقد النكاح بما لو تعدَّى فعل الإنكاح أو التزويج إلى المفعول الثاني بحرف جر مثل من أو جُعلت الزوجة مفعولاً أولاً وذلك لأن الآيتين لم تكونا بصدد حصر ما ينعقد به النكاح، لذلك يصحُّ إيقاع عقد النكاح حتى مع تعدِّي فعلي الإنكاح والتزويج إلى المفعول الثاني بحرف جر وحتى مع جعل الزوجة مفعولاً أولاً، اذ انَّ مثل ذلك صريح في إيجاب العقد ومطابق لمقتضى الضوابط اللغوية وهما شرط الصحة في المقام بنظر المشهور.

وأما القبول من الزوج فالأوفق بالاحتياط فيه هو قول (قبلتُ أو رضيتُ) وذلك لعدم الاختلاف بين الفقهاء في ترتُّب القبول على مثل هذين اللفطين بصيغة الماضي نظراً لصراحتهما. وما عداهما فهو مورد للخلاف فلا يصحُّ ما عداهما ألا ان يكون صريحاً في القبول وموافقاً للضوابط اللغوية.

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

 

1- سورة القصص / 27.

2- سورة الأحزاب / 37.