البخار المتصاعد عن النجس أو المتنجس


المسألة:

هل يعتبر البخار الناتج عن تبخر الماء المتنجس طاهرا؟

الجواب:

البخار المتصاعد عن الماء المتنجِّس وكذلك عن السوائل النجسة كالبول محكومة بالطهارة إما للاستحالة والتي هي من المطهِّرات وهي تعني تحُّول جسمٍ من الأجسام إلى جسمٍ آخر مباينٍ -بنظر العرف- في حقيقته وصورته النوعية للجسم الأول المتحوِّل عنه، ومثال ذلك صيرورةُ جسمِ الكلب ملحاً والخشب رماداً ، ففي مثل هذا الفرض لو كان الجسم الأول المُستَحال عنه نجساً أو متنجساً فإنه يُصبح طاهراً أي إنّ المُستَحال إليه -وهو الملح والرماد في المثال- يُعدُّ طاهراً، وذلك لأنَّ الجسم المُستحال إليه موضوع آخر ومباينٌ للجسم المستحال عنه، فلا يصح حينئذٍ تسرية الحكم بنجاسة أو تنجُّس الجسم المستحال عنه إلى المستحال إليه لتغاير الموضوعين حقيقةً، لذلك لابدَّ من ملاحظة الجسم المستحال إليه، فإنْ كان من الأعيان المحكومة بالطهارة بحسب عنوانها -كعنوان الملح والرماد- فإنه يكون طاهراً وانْ كان مُستحالاً عن موضوع نجس أو متنجس، وإنْ كان العنوان المستحال إليه نجساً كما لو كان خمراً استحال عن بخارٍ وكان البخار مستحيلاً عن العصير العنبي فإن هذا الخمر يكون نجساً بقطع النظر عن الموضوع المُستحال عنه وهو بخار العصير العنبي.

فالمدار في الحكم بنجاسة أو طهارة المستحال إليه هو ملاحظته هو بقطع النظر عن الموضوع المُستحال عنه.

فإنَّ نجاسة أو طهارة أحدهما لا تسري للآخر لتباين الموضوعين بحسب الفرض وذلك يقتضي عدم شمول دليل الحكم الثابت لعنوان أحد الموضوعين لعنوان الموضوع الآخر، فالدليل الذي دلَّ على نجاسة الكلب لا يصلح لإثبات نجاسة الملح وان كان الملح مستحيلاً عن الكلب ، وكذلك فإن ثبوت النجاسة للكلب لا تُصحِّح استصحابها إلى الملح لمجرَّد انَّ الملح مستحيلاً عن الكلب، وذلك لأن الاستصحاب لا يجري إلا في فرض اتحاد الموضوع.

إذا اتضح ذلك يتضح منشأ البناء على طهارة البخار المتصاعد عن الماء المتنجس أو السوائل النجسة كالبول، فإنَّ البخار حقيقة نوعية مباينة عرفاً للماء المتنجس والبول لذلك فهو محكوم بالطهارة لعدم صدق عنوان المتنجس عليه وعدم صدق عنوان البول عليه فلا تشمله أدلة نجاستهما ولا يصح استصحاب نجاستهما إليه نظراً لعدم الاتحاد في الموضوع، فحقيقة كلٍّ منهما مبيانة لحقيقة الآخر.

وهذا هو معنى ومنشأ مطهرية الاستحالة.

ولو قيل بعدم مطهرية الاستحالة فإنَّ البخار يكون طاهراً أيضاً وذلك لعدم قابليته للإتصاف بالنجاسة فهو كسائر الغازات غير قابلة للإتصاف بالنجاسة، فالبخار وان كان من الأجسام بحسب النظرة الدقية إلا انَّه ونظراً لصغر ذراته لا يعدُّ بنظر العرف صالحاً لأنْ يتصف بالنجاسة لذلك فدليل السراية ودليل الانفعال غير مُحرزَي الصدق على مثل البخار.

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور