أثر نية السوء


المسألة:

النية القلبية السيئه اذا لم يتبعها بعمل هل يحاسب عليها الانسان؟ لاني في بعض الاحيان يهم قلبي لفعل شي يعتبر معصيه لله واشعر بانقياد نفسي لهذا العمل لدرجه الشعور بالمعاتبة النفسيه الداخلية لعدم فعلي هذا الشي لان نفسي تحبه فهل النية او محبتي لهذا الشي احاسب عليه؟


الجواب:

لا يترتب إثم ولا عقوبة على نية فعل المعصية مالم تُرتكب، فإذا ارتكبت المعصية كُتبت، فإذا تاب مرتكبها غُفرت له.

 

وقد نصَّت الكثير من الروايات على عدم مُساءلة الانسان على مجرَّد قصد إرتكاب المعصية مالم يتعقَّب ذلك إقترافها.

 

فمن ذلك ما رواه الكليني بسنده عن زرارة عن أحدهما قال: إن الله تبارك وتعالى جعل لآدم في ذريته: مَن همَّ بحسنةٍ ولم يعملها كُتبت له حسنة ومَن هم بحسنةٍ وعملها كُتبت له بها عشراً, ومن همَّ بسيئةٍ ولم يعملها لم تُكتب عليه (1).

 

ومنها: ما رواه الكلينى بسنده عن أبي بصير عن عبد الله (ع) "وإن المؤمن ليهم بالسيئة أن يعملها فلا يعملها فلا تُكتب عليه"(2).

 

ومنها: ما رواه الحسين بن سعيد في الزهد بسنده عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (ع) قال: "إذا همَّ العبدُ بالسيئة لم تُكتب عليه, وإذا همَّ بحسنةٍ كُتبت له"(3).

 

فمثل هذه الرواية صريحه في عدم ترتُّب العقوبة على نية المعصية وقصدها مالم يتعقَّب ذلك إرتكابها، نعم يُكره للمؤمن أنْ ينوي المعصية فإنَّ ذلك من ضعف الايمان وسوءِ الخلق مع الله جلَّ وعلا، ثم إن لقصد المعصية آثاراً سيئة على النفس كما انها تُوجب الحرمان من بعض المِنَح الالهية لذلك حذَّرت الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) من نية الذنب وإنْ لم يُرتكب.

 

فمن ذلك ما رواه الصدوق بسنده عن الازدي عن إبي عبدالله (ع) قال: إنَّ المؤمن لينوي الذنب فيُحرم رزقه"(4).

 

ومنها: ما رواه الكلينى بسنده عن عبد الله بن موسى بن جعفر عن أبيه الامام موسى بن جعفر (ع) قال: سألتُه عن الملَكين هل يعلمان بالذنب إذا أراد العبد أن يفعله أو الحسنة؟ فقال: ريح الكنيف وريح الطيب سواء؟ قلتُ: لا قال: إنَّ العبد إذا هم بالحسنة خرج نفسه طيب الريح فقال: صاحب اليمين لصاحب الشمال: قم فإنه قد هم بالحسنة فإذا فعلها كان لسانه قلمه وريقه مداده فأثبتها له، وإذا هم بالسيئة خرج نفسه منتن الريح فيقول صاحب الشمال لصاحب اليمين: قف فإنَّه قد همَّ بالسيئة فإذا هو فعلها كان لسانه قلمه وريقه مداده وأثبتها عليه"(5).

 

ومنها ما ورد في المأثور انَّ عيسى بن مريم قال لبني إسرائيل: يا بني إسرائيل زعمتم أن موسى نهاكم عن الزنا وصدقتم وأنا أنهاكم عنه وأُحدِّثكم أن مَثَل حديث النفس بالخطيئة كمثل الدخان في البيت الا تحرقه فإنَّه ينتن ريحه ويُغيِّر لونه ومثل القادح بالخشبة إلا يكسرها فإنَّه يعجرها ويُضعها"(6).

 

فنيةُ المعصية وانْ لم يترتب عليها إثمٌ وعقوبة إلا انَّ أثرها على النفس كأثر الدخان في البيت فإنه وإنْ لم يكن موجباً لإحتراقه وتلفه إلا انه مُنتجٌ لتغيير لون جدرانه وإسودادها، كما ينشأ عنه إنبعاث رائحة مُنتنه من فرشه وأثاثه وهكذا هي نسبة المعصية فإنَّ من آثارها إذا ما استحكمت في النفس خبثُ السريرة وإذا لم تستحكم تكَّدرت كما تتكدر الزجاجة من أثر الدخان الأسود، فلا تكون النفس مع نية المعصية صافية، وذلك ما ينشأ عنه الحرمان وضعف القدرة عن تلقي النفس لفيوضات الله جل وعلا وبذلك تكون مرتعاً لهواجس الشيطان وتسويلاته.

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

 

1- الكافي -الشيخ الكليني- ج 2 ص 428.

2- الكافي -الشيخ الكليني- ج 2 ص 428.

3- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 1 ص 52.

4- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 1 ص 58.

5- الكافي -الشيخ الكليني- ج 2 ص 429.

6- تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج 47 ص 465.