التواتر يُنتج اليقين بالصدور


المسألة:

ذكر الشيخ المظفر (قد) في بداية القسم الخامس -الصناعات الخمس- مبادئ الأقيسة، التي تبدأ باليقينيات، وذكر أن المراد باليقين في الباب هو اليقين بالمعنى الأخص، ثم عدد اليقيينيات الست، ومقتضى تقسيمه أن تكون جميع الأقسام الستة من أقسام اليقين بالمعنى الأخص، إلا أنه يمكن أن يقال أن التواتر ليس كذلك، فإذا جاءك خبر متواتر عن المعصوم مثلا وقطعت بنسبته إلى المعصوم للتواتر فحصل لك القطع بصدق القضية من دون الوقوف على برهانها الخاص بها، وإنما لكونها صادرة عن المعصوم، فإن هذه القضية المتواترة تكون من المقبولات، واليقين فيها يقين بالمعنى الأعم لأنها عن تقليد، كما بين هو في بحث المقبولات؟


الجواب:

ما يُنتجه التواتر هو ثبوت قول المعصوم (ع) وانَّه قد صدر واقعاً، وهذه النتيجة أعنى صدور قول المعصوم تكون يقينية بالمعنى الاخص -بحسب الاصطلاح المذكور- وذلك لان اليقين بها لايمكن نقضه فيستحيل زوال الاعتقاد بالصدور، نعم ذلك مع قطع النظر عن طبيعة القضية الثابتة بالتواتر أي ان نتيجة التواتر هو ثبوت الصدور وليس هو صحة الصادر.

 

فلو ثبتت معلقة طرفة بن العبد بالتواتر فإنَّ اليقين بصدورها عنه يقينٌ لا يُمكن إنتقاضة، فهو من اليقين بالمعنى الاخص وهذا لا يقتضي انَّ ما صدر عن طرفة بن العبد صحيحٌ من حيث المحتوى ومطابق للواقع، إذ انَّ اقصى ما يُنتجه التواتر هو صدور المعلَّقه عن طرفة بن العبد، وأما صحة الصادر عنه فذلك ما لا يتكفل التواتر باثباته أو نفيه.

 

وهكذا هو ثبوت قول المعصوم بالتواتر، فلو سلَّمنا انَّ قول المعصوم من المقبولات فإنَّ ذلك لايضرُّ بصلاحية التواتر لإنتاج اليقين بالمنعى الاخص لان ما ينتجه التواتر في هذا الفرض هو إثبات الصدور، وأما ما هي طبيعة الصادر، هل هو من القضايا اليقينية أو الشعرية أو حتى الوهمية فذلك مالا يتكفل التواتر لاثباته أو نفيه وإنَّ المتكِّفل بذلك قياس آخر مكوَّنٌ من قضايا آخرى.

 

على انَّ قول المعصوم وإن كان من المقبولات نظراً لاعتماد المتلقِّي له تقليداً إلا انَّه من اليقينيات أيضاً بلحاظ إبتنائه على مقدمات نظرية ترجع إلى أقيسة موارد مقدماتها أولية بديهية، وكل ما هو نظرى يرجع إلى ما هو ضروري فهو يقيني كما هو واضح بأدنى تأمل وكما أثبت ذلك المناطفة والفلاسفة في مصنفاتهم.

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور