الفرق بين الفتوى بالاحتياط والاحتياط في الفتوى


المسألة:

السلام عليكم .. ما الفرق بين الفتوى بالاحتياط والاحتياط في الفتوى؟ وما هي موارد كلٍّ منهما؟

الجواب:

إذا توصَّل المجتهد بعد بذل الوسع والفحص المعذِّر في الأدلة إلى نتيجةٍ شرعية في قضيةٍ من القضايا الكليَّة، ورأى انَّ هذه النتيجة هي الحجَّة بينه وبين الله تعالى، وانَّه معذورٌ في إلقائها لمَن قوله حجَّة عليهم فهذه النتيجة يُعبَّر عنها بالفتوى.

والفتوى قد يكون متعلَّقها حكماً شرعياً وضعياً وقد يكون متعلَّقُها حكماً شرعياً تكليفياً، وقد يكون متعلَّقها الإحتياط بالإلتزام بفعلٍ أو ترك أو رعاية شرطٍ أومانع أو ما أشبه ذلك، فالفتوى بالإحتياط فتوى كسائر الفتاوى تنشأ عن إجتهادٍ وفحصٍ في الأدلة، فتكون هي الخلاصة التى أدَّى إليها رأيُ المجتهد بعد الفحص في الأدلة، فكما انَّ المجتهد يُفتي بعد ملاحظة الأدلة بالوجوب أو الإستحباب أو الحرمة أو الصحة أو الفساد كذلك قد يُفتي بالإحتياط، ولهذا يجب الإلتزام بمقتضى الفتوى بالإحتياط على كلِّ مكلَّفٍ تكون فتاوى هذا المجتهد حجَّةً في حقه، فلا يجوز له الرجوع إلى غيره في المسائل التي أفتى فيها بالإحتياط كما لا يجوز له الرجوع إلى غيره في المسائل التي أفتى فيها بالوجوب مثلاً، لأنَّه إنَّما يجوز الرجوع إلى مجتهدٍ آخر في فرض عدم وجود رأيٍ وفتوى للمجتهد الواجب تقليده، وقد ذكرنا انَّ الفتوى بالإحتياط في مسألة من المسائل هي واقعاً رأيُ الفقيه وفتواه في تلك المسألة.

وأما الإحتياط بالفتوى فهي ليست فتوى وإنَّما هي إحتياط بعدم الفتوى، لذلك يتمحَّض قول الفقيه في مثل هذه الموارد ببيان الكيفيَّة التي يُحرِز معها المكلَّف عدم الوقوع في مخالفة التكليف الواقعي لو كان موجوداً واقعاً . وعليه فلأنَّ الإحتياط بالفتوى معناه انَّ الفقيه ليس له رأي في المسألة لهذا يصحُّ الرجوع إلى غيره من الفقهاء ممَّن له رأي وفتوى في المسألة.

موارد الفتوى بالإحتياط:

وأما موارد الفتوى بالإحتياط فهي مثل الشبهة المحصورة المقرونة بالعلم الإجمالي كما لو علم المكلف انَّ أحد الإنائين غير المعيَّن مشتملٌ على ماءٍ متنجس والآخر غير المعيَّن مشتملٌ على ماءٍ طاهر أو اختلط عنده لحمٌ مذكَّى بلحمٍ غير مذكَّى فإنَّ الفقيه في مثل هذين الفرضين يُفتي بلزوم ترك الشرب لكلا المائين وترك الأكل لتمام اللحم الواقع في دائرة الشبهة، فهذا الذي أفاده من لزوم الترك هو المُعبَّر عنه بالفتوى بالإحتياط.

ومن موارد الفتوى بالإحتياط العلم بإشتغال الذمة بالتكليف والشك فيما يُخرج عن عهدة هذا التكليف أو الشك في الخروج عن عهدة هذا التكليف، ومثال الأول إفتراض علم المكلَّف يإشتغال ذمته بفريضةٍ دائرة بين صلاة المغرب و صلاة الصبح، فهو يشك في المُخرِج عن عهدة التكليف، فهل أداء صلاة المغرب مخرج عن عهدة التكليف أو أداء صلاة الصبح؟ فحين يُفتي الفقيه في هذا الفرض بلزوم الإتيان بالصلاتين فإنَّ ذلك من الفتوى بالإحتياط، وهكذا حينما يُفتي بأداء الصلاة إلى الجهات الأربع عند إشتباه القبلة أو اشتباه الثوب الطاهر بالثوب المتنجس أو يشتبه الفقير بين إثنين فيُفتي بلزوم التصدُّق عليهما معاً ليُحرِز المكلف بذلك انَّه وضع الصدقة الواجبة في محلها.

وكذلك لو كان للمكلف ماءان أحدهما غير المعيَّن مطلق والآخر مضاف، وعليه غسلٌ واجب فإنَّ الفقيه حين يُفتي في هذا الفرض بوجوب الغسل مرتين كل مرة بأحد المائين لإحراز الخروج عن عهدة التكليف فإنَّ ذلك من الفتوى بالإحتياط.

ومثال الفرض الثاني هو العلم بإشتغال الذمة بصلاة الظهر مثلاً والشك قبل إنقضاء الوقت في أدائها فإنَّه من الشك في الخروج من العهدة المتيقنة بالتكليف فحين يُفتي الفقيه بلزوم الخروج اليقيني من عهدة التكليف، وذلك بأداء صلاة الظهر فذلك من الفتوى بالإحتياط

موارد الإحتياط بالفتوى:

وأما موارد الإحتياط بالفتوى فهي مثل الشبهات الحكمية قبل الفحص عن الدليل أو قبل الفحص عن المخصِّص بعد الوقوف على أصل الدليل.

ومثاله ما لو سُئل المجتهد عن حكم لحم الأرنب، وهو بعدُ لم يفحص في الأدلة، فهو لو أجاب فإنَّه سيُجيب بالإحتياط بالترك، ومؤدَّى هذا الجواب هو تجنُّب الفتوى، فجوابه لايعدو البيان لكيفيَّة التحرُّز عن الوقوع في مخالفة الواقع أي انَّه لو كان لحمُ الأرنب حراماً واقعاً لما كان جوابه موجباً لوقوع المكلَّف في مخالفة هذا التكليف الواقعي.

وكذلك يُمكن التمثيل بما لو قام الدليل على لزوم إستئذان الولي في زواج البكر، وكان من المحتمل انَّ هذا الدليل مخصَّص بما لوكانت البكر غير رشيدة وغير مستقلَّة، وهو لم يفحص عن وجود هذا المخصِّص المحتمل، فحينئذٍ لا يسعه الإفتاء بسقوط شرط الإستئذان عن البكر الرشيدة كما لا يسوغ له الإفتاء بإعتبار هذا الشرط في البكر الرشيدة المستقلة، لذلك فهو يحتاط بالإحتياط اللزومي.

وقد يحتاط المجتهد في مسألةٍ عندما لا ينهض الدليل بنظره على الوجوب مثلاً ولكنَّه لم يشأ الإفتاء بعدم الوجوب للإستيحاش من مخالفة المشهور أو الإجماع أو كون المسألة من مسائل الفروج أو الدماء أو انَّ الدليل على الوجوب من الوجاهة بحيث يصعب المجازفة بالإفتاء على خلافه فيحتاط بلزوم الفعل، وهذا مساوقٌ للإحتياط بعدم الفتوى.

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور