من المقصود بقوله تعالى: ﴿رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا﴾؟


المسألة:

من المقصود في الآية الكريمة من سورة فصلت؟ ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ﴾ هل هما شخصان بعينهما، واحدٌ من الجن وواحدٌ من الإنس، كما ذهب البعض أم المقصود عموم المُضلِّين من الجن والإنس؟


الجواب:

الظاهر من الآية الشريفة انَ كلَّ كافرٍ يُخاطب ربَّه يوم القيامة بقوله: ﴿رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا﴾(1) يقصد مَن كان سبباً في ضلاله شخصياً، لذلك فالمعنيُّ من ﴿الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا﴾ يختلف باختلاف الكافرين المخاطِبين لربِّهم بقولهم: ﴿رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ﴾ فقد يكون اللذين أضلا هذه الفئة من الكافرين غير اللذين أضلا فئةً أخرى من الكافرين، كما انَّ المضلِّين لهذه الفئة من الكفار قد يتعيَّنون في فردٍ واحدٍ من الإنس وفرد واحدٍ من الجن، وقد يتعينون في جماعةٍ من الإنس وجماعةٍ من الجن، والتثنية في قوله: ﴿أَضَلَّانَا﴾ رغم تعدُّد المضلِّين في هذا الفرض إنَّما كان بلحاظ جنسي المضلِّين وليس بلحاظ عدد المضلِّين اللذين قد يكونون كثُر كما في قوله تعالى: ﴿فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾(2) فالمخاطَب في الآية هم عموم الناس وعموم الجن ورغم ذلك خوطب كلُّ هؤلاء بصيغة التثنية، وذلك بلحاظ كونهم من جنسين اثنين الجن والإنس.

 

وأما ما ورد في بعض الروايات من انَّ المقصود من: ﴿الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا﴾ فردان معيَّنان أحدهما من الجن والآخر من الإنس أو أفراد معيَّنون من الإنس والجن فهي لو صحَّت فإنَّها ليست بصدد التفسير وإنَّما هي بصدد ما يُسمى بالجري والتطبيق أي بصدد بيان بعض مصاديق الآية الشريفة، ولهذا فمثل هذه الروايات لا تقتضي التضييق لمفاد الآية ولا المنع من صلاحيتها للإنطباق على أفراد آخرين كانو سبباً في تضليل فئةٍ من الكفار.

 

ونظير ذلك ما قِيل في بيان المراد من قوله تعالى: ﴿فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ﴾(3) انَّهم أبو سفيان بن حرب والحرث بن هشام وسهيل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل وسائر رؤساء قريش، فإنَّ ذلك ليس من التفسير وإنَّما هو من الجري والتطبيق بمعنى انَّ هؤلاء المذكورين يصدق عليهم عنوان أئمة الكفر، وليس معناه انَّ الآية منحصرةُ المفاد فيهم، وانَّ عنوان أئمة الكفر لا يصدق على غيرهم، وانَّ ما تقتضيه الآية من العموم ليس مقصوداً منها.

 

وكذلك هو الشأن في قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ﴾ فإنَّه وإنْ ورد في بعض الروايات تطبيق عنوان: ﴿الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا﴾ على شحصين أو أشخاص معيَّنين إلا انَّ ذلك لا يعني انَّ السعة التي يقتضيها مفاد الآية المباركة ليس مقصوداً.

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

 


1- سورة فصلت / 26.

2- سورة الرحمن / 13.

3- سورة التوبة / 12.