زيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

هذا كلّه حول زيارة قبور المسلمين، وأمّا زيارة قبر النبي وأئمّة الإسلام والشهداء والصالحين فلا شكّ انّ لزيارتهم نتائج بنّاءة نشير إليها، كما نشير إلى الأحاديث الواردة حول زيارة قبورهم ليكون البحث مرفقًا بالتحليل وجامعًا للدليل.

أمّا التحليل: انّ زيارة مراقد هذه الشخصيات هو نوع من الشكر والتقدير على تضحياتهم وإعلام للجيل الحاضر بأنّ هذا هو جزاء الذين يسلكون طريق الحقّ والهدى، والفضيلة والدفاع عن المبدأ والعقيدة، وهذا لا يدفعنا إلى زيارة قبورهم فحسب، بل إلى إبقاء ذكرياتهم حية ساخنة، والمحافظة على آثارهم وإقامة المهرجانات، في ذكرى مواليدهم،وعقد المجالس وإلقاء الخطب المفيدة في أيّام التحاقهم بالرفيق الأعلى، وهذا شيء يدركه كلّذي مسكة.

ولأجل ذلك ترى انّ الأمم الحية يتسابقون في زيارة مدفن رؤَسائهم وشخصياتهم الذين ضحُّوا بأنفسهم وأموالهم في سبيل نجاة الشعب، وإنقاذه من مخالب المستعمرين والظالمين، ويقيمون المجالس لإحياء معالمهم، دون أن يخطر ببال أحد انّ هذه الأمور عبادة لهم، فأين التعظيم للشخصيات من عبادتهم؛ فان ّالتعظيم تقدير لجهودهم، والعبادة تأليههم واتخاذهم أربابًا. أفهل هناك من يخلط بين الأمرين منّا أو من غيرنا؟! كلاّ،لا، شريطة الإمعان في مقوّمات العبادة وتعريفها الماضيتين في الفصلين السابقين.

إذا وقفت على الآثار البنّاءة لزيارة مطلق القبور وزيارة قبور الأولياء والصالحين، نذكر خصوص ما ورد من الروايات التي جاء فيها الحث على زيارة قبر النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم).

أخرج أئمّة المذاهب الأربعة وحفاظها في الصحاح والمسانيد أحاديث جمّة في زيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نذكر شطرًا منها:

1. عن عبد اللّه بن عمر مرفوعًا: من زار قبري وجبت له شفاعتي.

2. عن عبد اللّه بن عمر مرفوعًا: من جاءني زائرًا لا تحمله إلاّ زيارتي كان حقًا عليّ أن أكون له شفيعًا يوم القيامة.

3. عن عبد اللّه بن عمر مرفوعًا: من حجّ فزار قبري بعد وفاتي كمن زارني في حياتي.

4. عن عبد اللّه بن عمر مرفوعًا: من حجّ البيت ولم يزرني فقد جفاني.

5. عن عمر مرفوعًا: من زار قبري أو من زارني كنت له شفيعًا أو شهيدًا.

6. عن حاتم بن أبي بلتعه مرفوعًا: من زارني بعد موتي فكأنّما زارني في حياتي.

7. عن أبي هريرة مرفوعًا: من زارني بعد موتي فكأنّما زارني وأنا حيّ، ومن زارني كنت له شهيدًا أو شفيعًا يوم القيامة.

8. عن أنس بن مالك مرفوعًا: من زارني في المدينة محتسبًا كنت له شفيعًا.

9. عن أنس بن مالك: من زارني ميتًا فكأنّما زارني حيًّا، ومن زار قبري وجبت له شفاعتي يوم القيامة، وما من أحد من أُمّتي له سعة ثمّ لم يزرني فليس له عذر.

10. عن ابن عباس مرفوعًا: من زارني في مماتي كمن زارني في حياتي، ومن زارني حتى ينتهي إلى قبري كنت له يوم القيامة شهيدًا، أو قال شفيقًا.

فهذه أحاديث عشرة أخرجها الحفاظ من المحدّثين، وقد جمع أسانيدها وطرقها وصححها تقي الدين السبكي (المتوفّى سنة 756هـ) في كتاب شفاء السقام في زيارةخير الأنام فمن أراد التفصيل فليرجع إليه.(1)

ونظم الشيخ شعيب الحريفيش في "الروض الفائق" هذا المعنى في قصيدة مطلعها:

من زار قبر محمد * نال الشفاعــة في غـد

بالله كـرِّر ذكـره * وحــديثه يا منشــدي

واجعل صلاتك دائما * ًجهـرًا عليــه تهـتدي

فهو الرَّسول المصطفى * ذو الجود والكفّ النديّ

وهو المشفَّع في الورى * من هول يوم الموعـد

والحوض مخصوص به * في الحشر عذب المورد

صلى عليــه ربّنا * مـــا لاح نـجم الفرقد(2)


1- شفاء السقام في زيارة خير الأنام، الباب الأوّل في الأحاديث الواردة في زيارته؛ ولاحظ أيضاً وفاء الوفاء بأحوال دار المصطفى:4|1336.

2- الروض الفائق: 2|238.